تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولذلك قال صاحب "مؤرخو الشرفاء" ص272: ((يعتبر [كتاب "السلوة"] نموذجا للمؤلفات المغربية في هذا النوع ... وقد حالف النجاح [مؤلفه] كثيرا، إلى حد أن أصبح معجمه في الوقت الراهن أداة العمل الضرورية لكل من يهتم بالتراجم المغربية ... إن "السلوة" على ما هي عليه تكون أحسن كتب التراجم المغربية، وستظل وثيقة أساسية لكل من يقوم بكتابة تاريخ مآثر مدينة فاس، وقد تقبل المغاربة "سلوة الأنفاس" بقبول حسن، وأدرك مؤلفها شهرة فاقت شهرة أهله، وراح الناس يقلدونه في عمله ... )) (1).

فهذه بعض النقول عن أعلام المغرب وغيرهم، والمعتنين بالتراث المغربي، حول "السلوة"، وتأثيرها لديهم، أو في كتابة التاريخ، وهي – لا شك – تعبر عن إمامة صاحب "السلوة" في هذا الميدان، واستداد أركان مدرسته التاريخية التي حفظت تاريخ المغرب، وأخرجته – ولو جزئيا – من زوايا الإهمال والنسيان ...

ومن أهم تلامذة مؤلف "السلوة" الذين تخرجوا به، وكان لهم الأثر الكبير في كتابة التاريخ: عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، ومحمد بن عبد الكبير بن هاشم الكتاني، ومحمد إبراهيم بن أحمد الكتاني، وعبد الرحمن ابن زيدان العلوي، والعباس ابن إبراهيم التعارجي، وأحمد بن محمد الرهوني، وأحمد بن محمد الكانوني العبدي، ومحمد المختار بن علي الإلغي السوسي، ومحمد بن مصطفى بوجندار الرباطي، ومحمد بن محمد ابن علي الدكالي السلاوي، وعبد السلام بن عبد القادر ابن سودة المري ... وغيرهم. وهؤلاء هم رواد كتابة التاريخ في المغرب القرن المنصرم. ثم جاءت بعدهم طبقة: محمد بن عبد الهادي المنوني، ومحمد بن عبد الله حجي، ومحمد ابن تاويت، وعبد الوهاب ابن منصور، وعبد الهادي التازي وأضرابهم ممن لهم اليد البيضاء في كتابة التاريخ المغربي.

ولا شك أن أهم سبب دعا صاحب "السلوة" ثم من جاء بعده إلى الاعتناء بهذا المجال من كتابة التاريخ: ردة الفعل الطبيعية للاتجاه الاستعماري الغربي الذي حاول أصحابه مسخ الحضارة الإسلامية المغربية، سواء عن طريق مدارسه ومنتدياته وبرامج تعليمه، وعن طريق إحراقه لعشرات الخزائن العلمية في جبال الأطلس وسوس وسجلماسة وغيرها، واعتبارها لا شيء أمام بهرجة الحضارة المادية؛ ليثبت أعلامنا بأن آباءنا وأجدادنا كانوا أصحاب رسالة خالدة، نقلوها ابنا عن أب لتصل إلينا؛ فنحمل هذا المشعل لنجسده واقعا، ونورثه إلى الأبناء ...

وكيفما كان؛ فإن "سلوة الأنفاس" وذيولها والأعمال التي أقيمت حولها، والمؤلفات التي كتبت وتأثرت بها وعلى منوالها؛ إنما تعد مادة معلوماتية خاما، محتاجة إلى الدراسة والتحليل، والاستنتاج والاستنباط، في رسائل جامعية وأكاديمية بناءة؛ لتعمل عملها في الواقع المغربي، وسلوكيات مجتمعه الذي لا يمكن أن يزدهر إلا بسيرورته ضمن نطاق الهوية المغربية: العربية الإسلامية ...

عملنا في التحقيق:

لا شك أن تحقيق موسوعة في ثراء "سلوة الأنفاس" يلقى عوائق عدة، خاصة وأنها طبعت عام (1316)، ولم تعد طباعتها بعد ذلك، ونظرا لتداخل بعض تراجمها، ووفرة المواضيع التي تتطرق إليها، وندرة المراجع التي اعتمد عليها المؤلف وعدم طباعة جلها ...

ولذلك؛ فقد رمنا تحقيق نص "السلوة" من حيث الترقيم وغيره، وإبراز العناوين والتراجم، دون التحشية والتعليق في الهوامش إلا لماما. ولا نخفي مدى صعوبة هذا الأمر، خاصة وأنه يقتضي قراءة النص مرارا من أجل فهمه واستيعابه؛ ليتم بعد ذلك شرحه للقاريء بعلامات الترقيم. بحيث نظن أن نص "السلوة" في طبعته هذه يعد أوضح نص طبعته المطابع المغربية، وأيسره من حيث المطالعة والفهم، وأدقه من حيث المقابلة والضبط.

أما مراحل التحقيق؛ فقد تمت كالتالي:

1. إضافة علامات الترقيم لنص "السلوة".

2. إبراز عناوين أصلية وفرعية لم يبرزها المؤلف – رحمه الله تعالى – ليمكن تمييز النص للمطالع.

3. ترقيم تراجم الكتاب، وإضافة علامة (000) للتراجم المكررة.

4. تحلية كل مترجم بألقاب تنسجم وترجمة المؤلف له؛ ليمكن تصنيفه بالنسبة للمطالع والباحث.

5. عزو الآيات القرآنية، وتمييزها بخط مخالف لخط الكتاب.

6. أثبتنا ترقيم صفحات النسخة الحجرية التي اعتمدناها في التحقيق، بين قوسين مربعين كالتالي: [].

7. قمنا بتقديم الكتاب بدراسة تحليلية مقتضبة، وترجمة مسهبة لمؤلف الكتاب.

8. اعتمدنا في التحقيق: الطبعة الحجرية، التي طبعت في عصر المؤلف، وعليها خطه، وتعليقات وتصحيحات بخط حفيده الإمام محمد المنتصر بالله الكتاني – رحمه الله تعالى – وأثبتنا تلك التعليقات مميزة باسمه. وقد ختمت هذه النسخة بالتعليق التالي: ((ختمت دراسة هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة: غروب يوم الأربعاء 26 صفر 1357. (محمد المنتصر الكتاني)، ويليه: قرأته للمرة الثانية قراءة بحث ودرس، بدار سكناي في حومة الدوح بفاس، في الساعة الثانية من ليلة فاتح شهر ذي القعدة الحرام سنة 1361. (أبو علي محمد المنتصر الكتاني)).

وأنوه في هذا البحث إلى أن ابني عمي الأستاذ عبد الله الكامل الكتاني، والدكتور الوزير حمزة بن الطيب الكتاني هما من قاما بمقابلة الكتاب مشكورين، وباقي العمل قمت به لوحدي مع عدم إغفال الاستشارة والحوار مع ابني العام كلما اقتضى الحال.

والمأمول من الله العلي القدير ألا تخيب الأجزاء الثلاثة من "السلوة"، في طبعتها الحالية المعاصرة (1425 هـ / 2004 م) آمال المؤلف الجليل شيخ الإسلام الشريف أبي عبد الله سيدي محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله، الذي حرص بنفسه على تصحيح طبعتها الحجرية الأولى تقديرا منه لقرائه، ومحبة في علماء فاس وصلحائها، وتخليدا لذكرهم العطر عبر العصور. والله من وراء القصد. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه.

والحمد لله رب العالمين

د. محمد حمزة بن محمد علي الكتاني.

الإثنين 19 صفر الخير عام 1424

الموافق 21 أبريل عام 2003

الرباط - المغرب


(1) "مؤرخو الشرفاء" تأليف ل. بروفنصال. ترجمة: عبد القادر الخلادي. مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير