تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن مؤلف "السلوة" ليعرض علينا، من خلال موسوعته التاريخية الكبرى هذه، موسوعات فرعية صغرى، تتناول بالدراسة والبحث التاريخ الفكري والمذهبي والعلمي لكثير من الأسر العلمية المغربية العريقة، فرادى وجماعات، في منظومة فريدة من نوعها، لا تكاد تجدها في تقييد آخر غيره، بالطريقة التي أعدت بها، وقدمت فيها للباحثين والدارسين بصفة عامة، والجامعيين منهم بصفة خاصة.

وعلى أثر ذلك؛ فبعد ظهور "سلوة الأنفاس"، وبروز تلامذة الإمام محمد بن جعفر الكتاني؛ ازدهرت بصورة واضحة كتابة التاريخ المغربي؛ خاصة تاريخ المدن ورجالاتها. ولا يخفي جل من اعتنى بالتأريخ – تاريخ المدن ورجالاتها خاصة – مدى تأثره بـ"السلوة"، ولا يخلو كتاب من كثرة النقل عنها، بل ونقل تراجم كاملة منها؛ كـ"زهر الآس"، و"تحفة الأكياس"، و"الإعلام بمن حل مراكش وأغمات"، و"إتحاف فضلاء الناس"، و"عمدة الراوين"، و"المعسول"، و"تاريخ تطوان" ... إلخ.

ومن المؤلفين من نقل تراجم كاملة من "السلوة"، ومنهم من استعار جل مقدمتها وأضافها لكتابه، ومنهم من انتهج نهجه من حيث الاعتناء بالأحياء والمقامات، ومواضع القبور والدفن.

ومن النصوص التي تعبر عن مدى تأثر المغاربة بـ"السلوة" في كتاباتهم التاريخية: ما قاله شيخ الإسلام في الشمال المغربي، ووزير العدلية في المنطقة الخليفية؛ العلامة أحمد بن محمد الرهوني (1373/ 1953) صدر مقدمة معلمته "عمدة الراوين في تاريخ تطاوين" (1: 54): ((لما من الله علي باقتناء كتاب "سلوة الأنفاس، ومحادثة الأكياس، فيمن أقبر بمدينة فاس"؛ لابن مبارك زمانه، وزهري أوانه، سلالة الأخيار، وضئضئ الأماثل الأبرار، عالم الشرفاء، شريف العلماء، إمام وقته في الفقه والتفسير والحديث، وغيرها من كل علم قديم وحديث، الولي الصالح، الزاهد الناصح، أحق من يطلق عليه اسم "المجدد" على رأس هذا القرن الرابع عشر، أكرم من بدا فضله في هذه الأعصار وانتشر، حائز قصب السبق في جميع العلوم، صاحب الحقائق والدقائق والرقائق والأذواق والفهوم، فارس المنابر، ومنور المحابر، الشريف الإدريسي الحسني، شيخنا أبي عبد الله، سيدي الحاج محمد ... اغتبطت به غاية الاغتباط، وانبسطت له نفسي غاية الانبساط؛ لما عليه ذلك الكتاب من حسن الجمع وبراعة الصنع ... )).

((كتاب لم يسبق صاحبه إلى مثاله، ولم ينسج ناسج على منواله، جمع فأوعى، وخصب فيه المرعى. أنوار من شمله عليه ساطعة، تبدو للموفق من أقطار شاسعة. فاشرأبت نفسي – إذذاك – للحذو على نعله، والتبرك بوضع جبهتي تحت رجله؛ لما قد شاع على ألسنة الناس؛ من أن مدينة تطاوين بنت مدينة فاس ... )).

(( ... واتخذنا شيخنا المذكور إمامنا في هذه الوجهة الخيرية؛ فدخلنا في ذلك بما دخل فيه هو من النية ... )). انتهى باختصار.

وفي نهاية مقدمة الكتاب التي خصصها لما خصصها به صاحب "السلوة" يقول - رضي الله عنه (1: 69): ((وهذا آخر ما أردنا اقتطافه من ذلك البحر الزاخر. رضي الله عن مؤلفه وأرضاه، وجعل الوجه الكريم متقلبه وغاية مناه ... بمنه وكرمه)).

ولا يخفى أن الشيخ الرهوني إمام صناعة التاريخ في الشمال المغربي وعمدة من كتب بعده فيه، بل وفاتح باب التأريخ لمدينة تطوان خاصة، والشمال المغربي عامة. قال أخونا الأستاذ الدكتور جعفر بن الحسن ابن الحاج السلمي المرداسي في مقدمة تحقيقه لـ"عمدة الراوين في تاريخ تطاوين" للشيخ الرهوني (1: 8) ما نصه: ((كان لدخول الاستعمار الإسباني إلى شمال المغرب ابتداء من سنة (1911)، بدعوى الحماية؛ تأثير كبير على الطبقة المثقفة المخضرمة ومن جاء بعدها؛ أيقظ فيها – ولا شك – وعيا بالذات والزمن، فبرز هذا الوعي في كتابتها التاريخية. ولا شك أن الرائد الأكبر لهذه الحركة التاريخية التدوينية على عهد الحماية؛ هو: أبو العباس أحمد بن محمد الرهوني، لا ينازعه في هذا أحد. ثم ظهر بعده تلاميذه .... إلخ)).

وقد مضى قول الشريف المنوني في "المصادر العربية لتاريخ المغرب" (2: 210): ((إن "سلوة الأنفاس" تعتبر أكبر مصدر لتاريخ رجال فاس إلى عصر تأليفها، ولم يدون قبلها ولا بعدها ما يوازيها في موضوعها ... )).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير