[حاجة الناس إلى التصنيف والتأليف ... باقية متجددة!!]
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[26 - 03 - 06, 02:42 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين
أما بعد، فإن حاجة الناس إلى التصنيف والتأليف لا تنتهي؛ وافتقارهم إلى وضع الجديد من الكتب في شتى العلوم لا تزول
وذلك لعدة أمور:
1. منها: أن لكل زمان ما يَجِدُّ ويظهر بعد أن لم يكن من المسائل المستحدثات والمشاكل العويصات، التي تحتاج إلى ثاقب النظر ودقيق البحث لاستخراج حلها من مكنون حكم الأولين، وعظيم مكتوب الأقدمين. وكذلك ففي النصوص الشرعية تجد بعض الأحاديث تبدأ بـ {يأتي على الناس زمان ... } إلخ، فيكون ذلك إخبارا عن شيء مستقبل لا نعلم متى يأتي به الله، فتكون حاجة الناس إلى التصنيف في موضوعه عند حدوثه ماسة، وبيان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم له قبل مجيئة جليلة.
2. ومنها: أن العرف والعادة يتغيران مع تغير العصر والزمان، ويقل فهم الناس لما سُطِّر في قديم الزمان، مما لعله كتب بعبارة قديمة لا تفهم، أو بجملة مستغلقة تخفى على أبناء العصر، فكان افتقار أبناء العصر إلى من يكتب لهم بما يقرب من أفهامهم وبما يقرب من لسانهم الذي يتغير ويتبدل على مر الأعصر والأزمان، بخير أو بشر.
3. ومنها: أن بعض مستجدات العصر تفرض بعض التغيير على أسلوب التصنيف مثل أساليب التحقيق المعاصرة التي لم تكن معروفة بمنهجها الحالي عند الأقدمين، وهي خير عظيم رزقنا الله إياه يسر علينا كثيرا من البحث والمراجعة وكذلك يسر على المطالع مطالعة الكتاب، ويسر على الباحث أن يجد ضالته في الفهارس.
4. ومنها: أن الناس تحتاج إلى التجديد والتحديث بين كل وقت وحين ليكون أنشط لهم وسببا لدفعهم إلى الطلب والبحث والتنقير عن المسائل؛ فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها}.
5. ومنها: أن كل عصر جديد يعطي أبناءه إمكانيات لم تكن متاحة لمن سبق؛ فيكونون أقدر على الاستخراج والمقابلة والبحث، وذلك كما حدث في هذا العصر بعد أن أنعم الله علينا بنعمتي الكمبيوتر والإنترنت، فسهلت مشاكل البحث والاستخراج والمقابلة والتنقير، بعد أن كان المرء يقضي عمره في بحث شيء، ثم لعله لا يجده وهو موجود، فصار ذلك سببا في وجدان بعض ما لم يجده الأقدمون، واستدراك بعض ما قصر عنه الأولون، واحتاج أن يوضع له التصانيف.
6. ومنها: أن العلماء يحتاجون إلى التصنيف ليُبَلِّغوا ما آتاهم الله من علم إلى الناس، ولتَرْسَخَ قدَمُهم في العلوم؛ فإن العالم إذا درس العلوم الشرعية وتبحر فيها، فإنه يحتاج إلى التصنيف لكمال الرسوخ؛ ولينال درجة التحقيق والتدقيق، كما ذكر نحوه الإمام النووي رحمه الله.
7. ومنها: أن الزمان لا يخلو من طلاب العلم الذين يدرسون على أيدي العلماء، وهم يحتاجون إلى وضع ما يسمعون من علمائهم من العلم في صورة مكتوبة ليكون أرفق بهم وأيسر للمراجعة والدرس.
8. ومنها: أن الزمان لا يخلو من مبطلين وضلال ومشعوذين، ينطلي عملهم على بعض الناس، أو يخشى على بعضهم من شبهاتهم، فيلزم بيان وجه الضلال في كلامهم بالرد عليهم وبيان بطلان وجهتهم، ومن أقوى سبل الرد على المخالفين: التصنيف المكتوب.
9. ومنها: أن الأفكار والخواطر لا تنتهي إلا بانتهاء الأيام، ولا تنفد إلا في آخر الزمان، والله يفتح على بعض عباده بما لم يقدره للأولين من الحكم الجسام، والأفكار العظام، وذلك في كل علم وفن، فيحتاج من رزقه الله من ذلك شيئا إلى تقييده بقيد وكتابته بجلد لكي لا يضيع ويذهب، وكما قال الشاعر:
- كم ترك الأول للآخر -
10. ومنها: جميع مباحث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة؛ لأن العلوم الكونية فيها الكثير من الأسرار والأمور التي لم يسبر غورها ولم يكشف كننها بعد، فيأتي الباحثون العلميون بدراساتهم وبحوثهم المبنية على المخترعات والنظريات الحديثة كل يوم بالجديد فكانت الحاجة داعية إلى وضع التصانيف في بيان ذلك، وبيان وجه إعجاز القرآن في ذلك، تصديقا لقوله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} ولاحظ أن السين في (سنريهم) استقبالية، وهي تدل كما قال بعضهم على تجدد ذلك إلى يوم القيامة، والله أعلم، ومباحث إعجاز القرآن كثيرة وإن كان على بعضها ملاحظات وتحفظات، إلا أن الكلام هنا عن الأسباب الداعية إلى التصنيف دائما، وليس على صواب ذلك من خطئه.
11. ومنها: أن التصنيف في نفسه مطلب مروم، ومتعة للمصنف، وكذلك فهو يخبر عن عقل صاحبه وعلمه؛ كما قال بعض الحكماء: اختيار المرء قطعة من عقله، وكل إنسان يحب أن يذكر بجميل الذكر فيمن بعده ويترك من الآثار ما يجمل ويستحسن، كما قال إبراهيم عليه السلام: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}، وكذلك فهو يخلد ذكر صاحبه على مدى الأزمان، ولولا ما سطر علماؤنا من جليل التصانيف ما سمعنا عن كثير منهم.
12. ومنها: أن ذلك يزيد في حسنات العبد بمقدار ما يجده الناس بعده في مصنفاته من خير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {الدال على الخير كفاعله}، ولو لم يكن من حسنة للتصنيف غير ذلك لكفى لأنه يبقى بعد موت كاتبه بقدر ما يقدر له الله عز وجل، فكل من قرأ فيه أو استفاد منه أو عمل أو اهتدى بهدى، فإن ذلك يزيد في حسنات المصنف الأول، وانظر مثلا لمصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، كم كانت تحارب في عصرهم، واليوم هي من أجل التصانيف التي يستفيد منها العلماء وطلاب العلم.
هذا ما حضرني فكتبته من رأس القلم، ولعلك تجد بعد ذلك غير ذلك وربما ما هو أكثر منه
والله تعالى أعلى وأعلم، ومنه الهداية وبه التوفيق
أخوكم ومحبكم/ أبو مالك العوضي
¥