انقطعتُ لهذا الكتاب عن دنيا الناس، ووهبتُ له وقتي، وجهدي، وسري، وعلانيتي،، وبفضلٍ من الله وعون انتصرتُ على نفسي، ورددتها عما كانت تجاذبني نحوه وتدفعني إليه ... » إلخ.
ثم ذكر أمورًا ثلاثة قَهَر نفسَه على الامتناع عنها مؤثرًا العمل الدءوب، حاصلها:
المشاركة في المؤتمرات والندوات.
المشاركة في التلفزة، بعد أن اندفع في تياره ثم تماسك.
الاقتصار على الواجب في الصحف والمجلات.
لا بأس، قد قلتُ لكم من قبل أنّ هذا هو المتوقّع منه، جزاه الله عنَّا أحسن الجزاء ..
...
لكن لفت نظري تلك الحرقة التي يعالجها المحقق، حيث بثّها في عدة مواطن متفرّقة من الجزء الأول الكبير الذي هو «المقدّمات» ..
حرقة على التراث ..
وحرقة على أحوال المسلمين السياسية قبل الثقافيّة ..
وقد ذكّرني ذلك بحوارٍ قصير تبادلته مع بعض مشايخي من كبار المشتغلين بالحديث ..
ساق الدكتور الديب بعض المتاعب التي اكتنفته من جرّاء السعي في تصوير نسخة ..
أوالمصاعب المدهشة التي لاقته من جرّاء غلط المصوِّر في تصوير الجزء المطلوب؛ حتى تكرر ذلك مرارًا ..
أو ما لاقاه من أخطاء المفهرسين .. أو .. أو ..
ثم قال: «والحديث عن المعاناة في هذا الجانب ووصف ما لقيناه وكابدناه يضيق به المقام، وله مجال غير هذا المجال.
وإنما ألمحتُ إلى طرفٍ من هذا العناء لأقول: لو أنك هناك عملاً مؤسسيًّا يرعى تحقيق التراث ويعمل على حمايته ونشره، لو كانت هناك مؤسسات فاعلة جادّة في هذا المجال لتولّت عن المحققين هذه المرحلة المرهقة المتعبة من العمل، ولقامت هي بجمع صور المخطوطات جمعًا مستقصيًا بما يكون لديها من أجهزة متخصّصة في هذا الشأن ... » إلخ.
وهذا ذكّرني بما أشرتُ له آنفًا ..
وطالب العلم ليس بحاجة إلى كثير أمثلة تسوق له تلكم الكتب الكبيرة التي لم تنشر بعد، أو نشرت نشرةً محرّفةً مخرّقةً، تدعو إلى الأسى في النفوس، وتبعث الحزن في الأفئدة ..
بل والكتب الصغيرة أيضًا!
قلتُ يومًا لبعض مشايخي: متى نرى نسخةً محترمةً من «الكامل» لابن عديّ ..
فقال: أين مخطوطاته؟!
وكررتُ السؤال على شيخ آخر فقال: هذه الكتب تحتاج إلى هيئة بحثية تصرف على الكتاب ولا تبتغي الربح!
وسأترك الجوابين من غير تعليقٍ ..
لكنني سأذكر فقط أن الجوابين جميعًا أصاباني بصدمة، أو بصدمتين مختلفتي الوقع ..
إذا قيل هذا في «الكامل»، فماذا نقول عن مثل «تاريخ دمشق»؟!
فباستثناء الأجزاء التي قامت «سكينة الشهابي» بالعمل عليها، يمكن للممارس أن يرى كلّ أنواع الأسى في طبعته المشهورة ..
نسأل الله أن يقيّض لتراث المسلمين من يحتسب لله وقته وماله، ثم من يحسن الاعتناء به .. آمين.
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[25 - 12 - 07, 11:15 م]ـ
الحمد لله وحده ...
من تريد بعلماء الأمّة يا دكتور؟؟
بـ (حكم نشأته في العمل الإسلامي) - على حدّ تعبيره - أراد الدكتور «الديب» أن يبرهنَ على أنه لم يغب عن هموم أمّته ومتابعة ما يجري حوله ..
فالرجل من فرط ما وصَف انشغاله وانكبابه على «النهاية» لسنوات طويلة، بحيث لم يفكّ اعتكافه عليه إلا من أجل كتابٍ آخر لإمام الحرمين أيضًا؛ ظنَّ أن بعضهم قد يظنّ أنه لم يعش مع أمته وهمومها ..
فأخذ في نحو صفحتين يتكلم في التاريخ ولعله ما أجاد!
يقول (ص26 وما بعدها):
«بل شغلت بهذا الكتاب عن قضية من أخطر قضايانا الفقهية، وأعني بها هذا الخلل العتيد في فهم تاريخ أمتنا، فعندي أنه ما لم يصحح الدعاة وقادة العمل الإسلامي وعلماء الأمة، أقول: العلماء والدعاة وقادة العمل الإسلامي، مالم يصحح هؤلاء فهمهم لتاريخ الإسلام والمسلمين فلن تستقيم الأمّة على طريق ... » إلخ.
هكذا ستجدون «الدكتور الديب» يعرض أهمية هذه القضية «الخطيرة»!
ولم يكتف بذلك؛ بل أوضح قائلاً:
«وعندي في هذا الموضوع الكثير الكثير مما يصحح أكاذيب وأخطاء تعلمناها وصارت عندنا بدهيات ومسلمات، وما زال الدعاة والعلماء يرددونها، ويتخذونها مرتكزًا لأفكارهم، ومنطلقًا لآرائهم، ومستندًا لأحكامهم».
أرأيتم كم هي قضيّة خطيرة؟!!
لن أطيل عليكم قبل أن أنقل هذا المقطع أيضًا:
«بل الأدهى من ذلك أن هذه الأكاذيب والأغاليط التاريخية شكّلت وجدان هؤلاء العلماء، وصاغت عواطفهم، لم ينج من هذا أحد (إلا من رحم ربك وقليل ما هم).
وويل للعقل من العاطفة، (حبك الشيء يُعمي ويُصم) ... » إلخ.
¥