ومن أعجب العجب أن المحقق يعلم ذلك جيّدًا فقد عزا على «الأم» في صدر تخريجه للحديث في موضعه من الكتاب (8/ 305) فقال في الحاشية رقم (7): «رواه الشافعي في الأم: 3/ 265 ... »!
فالله المستعان.
... ويقال أيضًا، إن توابع ورود هذا الحديث في «الأمّ» مسندًا، أن يرد في كلام الشافعيّة على مدار الزمان، وليس هناك مانع أن يكون أبو المعالي أخذه من كتب الشافعيّة قبله، ويحضرني الآن الماوردي في شرحه لمختصر المزني أيضًا (7/ 491) ط. العلمية، ولابدّ أن يكون ذلك في كلّ شرحٍ قبله لمختصر المزني.
هذا مع أن الماوردي -والآخرون طبعًا- إنما أورده كجزء من المتن الذي يشرحه!
وهذا والذي قبله نافلة، ويكفينا في الردّ أن هذا اللفظ هو لفظ مختصر المزني الذي يشرحه الجويني، وإنما أطلت من أجل ما صدّر به المحقق هذا الدليل كما نقلتُ عنه، فهو أحسن وأبلغ أدلته كما قال عفا الله عنا وعنه.
ولا نحتاج أن نذكّر أنّ شيخ الإسلام لم ينفرد بذلك أصلاً، بل سبق بعض النقل عن غيره من أئمّة الشافعيّة الكبار حفّاظ الحديث، وفيهم من له ميلٌ إلى الأشاعرة.
تنبيه:
أولا: قول شيخ الإسلام «لم يكن له بالصحيحين البخاري ومسلم وسنن أبي داود والنسائي والترمذي وأمثال هذه السنن علم أصلاً؛ فكيف بالموطإ ونحوه»، ليس معناه أن الجويني لا يعلم بوجود هذه الكتب أصلاً، وهذا ظاهر قطعًا.
فليس هناك شافعيّ لا يعرف أنّ في الوجود كتاب حديث وفقه لمالك اسمه الموطّأ.
لكنّ المعنى: ليس للجويني اطلاع على هذه الكتب يجعله يستفيد مما فيها استدلالا، أو تفريعًا، أو تأصيلا، أو لتوضيح تخريج إن هو خرّج، أو لحل إشكال، أو زيادة بابٍ أغفل في المختصر أو أو إلخ ..
أما أن الجويني يعلم بوجود هذه الكتب فلا شكّ فيه ولا إشكال.
وأما أن في قطره نسخ من هذه الكتب كثيرة، فهذا أيضًا يقين.
وقد لاحظتُ أن أبا المعالي حريص في «النهاية» على الاستدلال كما قال شيخ الإسلام، وقد كان في هذه الكتب عشرات بل مئات النصوص الصالحة لما يريده، لكنه لم يفعل.
ثانيًا: على تقدير وجود عزو في كتبٍ أخرى للجويني؛ فكتب الشافعية التي كانت قبل الجويني فيها حديث واستدلال، سواء تابعةً «للأم» من غير عزو، أو مستقلةً عن «الأم».
حتى إن الماوردي (مات 450) في شرح المزني قد يذكر مخرج الحديث قبل أن يذكره في معرض الاستدلال فيقول: لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ...
والجويني قد يكون إنما أخذ هذه الأحاديث القليلة التي عزاها من هذه الكتب قبله، وهذا يحتاج إلى بسط ومقارنات لن أنشغل بها الآن، وأدواتها أيضًا غير متوفرة.
لكن الذي يجب ألا يختلف فيه، أن عزو الجويني نادر، وهو في «نهاية المطلب» في حكم المعدوم.
فلا أدري ما وجه الانتقاد على شيخ الإسلام إذن؟!
وقد قلتُ سابقًا إن فهارس «النهاية» خلت من عزو واحد على كتاب أبي داود في فهارس الكتب، وكذلك بقية الكتب المشهورة.
وأما فهارس الأعلام فمنها عرفتُ موضع حديث البخاري الذي انتقده الحافظ ابن تيمية فهو في (2/ 137)، وهو عند البيهقي والدارقطني.
ولا وجود لمسلم بن الحجاج.
ولا سليمان بن الأشعث.
ولا محمد بن عيسى.
ولا أحمد بن شعيب.
ولا محمد بن يزيد.
بل ولا محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري.
وإنما وجد مالكٌ في عدة مواضع، لم أنشط لمراجعتها، لأني أجزم أنها مواضع ذكر فيها مالك من أجل الفقه لا الحديث.
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[28 - 12 - 07, 09:10 م]ـ
الحمد لله وحده ...
بقي مما يهمّني من استدلالات الدكتور عبدالعظيم على معرفة الجويني الحديثية قوله إن أبا المعالي يروي من مسموعاته متيمنا بذلك في ختام كتابه.
وعزا الدكتور الديب على الموضع هذه المرة، وهو في أواخر الكتاب 19/ 503.
وإذا ذهبنا إلى هذا العزو سنجد أربعة أحاديث رواها الجويني بإسناده، الأخير منها عن أبيه، والثلاثة الأول من طريق الدارقطني.
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[28 - 12 - 07, 09:12 م]ـ
الحمد لله وحده ...
ومما ينبغي الإشارة أن كل ما قيل في التنبيه السابق، يصلح أن يقال أيضا فيما يورده الجويني -وهو قليل - من الكلام على الصحيح والضعيف.
وفيما سبق كفاية إن شاء الله في الكلام على الشق الحديثي في كلام شيخ الإسلام.
ـ[عبدالرحمن الحجري]ــــــــ[29 - 12 - 07, 12:21 ص]ـ
جزاك الله خيرا, ونفع بك.
ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[29 - 12 - 07, 12:25 ص]ـ
أخي الأزهري بارك الله فيك
أتفق معك في هذا الاستدراك على الأستاذ عبد العظيم الديب فلعله لم يوفق في الدفاع عن الجويني في معرفته بالحديث، فبضاعة الجويني في الجديث ظاهرة.
لكن عندي سؤال لعلنا نتدارسه:
ما رأيك بمقولة ابن تيمية في الجويني:
"ولقلة علمه وعلم أمثاله بأصول الإسلام"
مع ملاحظة أن أخطاء هؤلاء في باب أصول الدين ليست من باب الجهل بأصول الإسلام فإن أصول الإسلام لا تخفى عن عوام المسلمين فضلا عن هؤلاء
وإنما جاءت عن الشبه الطارئة والمقالات المولدة.
فهل عبارة ابن تيمية محفوظة لا يرد عليها شيء
أم أن مقصود ابن تيمية ليس هو ظاهر العبارة، إنما المقصود لما صار إليه هؤلاء من الخطاء في أبواب أصول الدين، فوقعت هذه العبارة من باب المسامحة في التعبير فحسب.
مع أن دقة ابن تيمية في التعبير تدفع هذا التخريج.
من باب المدارسة فقط.
¥