تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في سنة 1958، أي في غمرة الاستقلال وآماله وطموحاته، شكل الملك محمد الخامس، رحمه الله، لجنة من كبار الفقهاء والقانونيين، برئاسة ولي عهده آنذاك، الأمير مولاي الحسن، عهد إليها بتدوين الفقه الإسلامي (أي الفقه المالكي بالدرجة الأولى). وهي اللجنة التي أعدت ـ أول ما أعدت ـ مدونة الأحوال الشخصية. وواصلت اللجنة عملها فأعدت (مدونة الأموال) بعد (مدونة الأحوال)، ودفعت اللجنة المدونتين إلى الأمانة العامة للحكومة، لأجل " المراجعة الفنية ". ولكن المراجعة هناك لم تكن "مراجعة فنية "، وإنما كانت " مراقبة استراتيجية ". يتضح ذلك جليا حين نعرف أن القائمين بتلك المراجعة / المراقبة، كانوا فرنسيين ومفرنسين ... لقد أجازوا (مدونة الأحوال) وأوقفوا (مدونة الأموال)، فكان ذلك إيذانا بوقف عمل اللجنة برمته!! وقد سجل الأستاذ علال الفاسي، رحمه الله، هذه القضية بكل مرارة واستغراب واستنكار، في مقدمة كتابه التاريخي (دفاع عن الشريعة).

والحقيقة أن مجرد تأليف علال الفاسي لهذا الكتاب، وبهذا العنوان، هو وحده كاف للدلالة على طبيعة الانقلاب على الهوية الإسلامية للتشريع المغربي، الذي كان جاريا في صمت ودهاء. لقد قال علال الفاسي كلمته وأبرأ ذمته، ولم يستطع أكثر من هذا، خاصة مع اشتداد الفتنة الانفصالية، التي عصفت بحزب الاستقلال، ومزقته وأنهكته، وشغلت قادته وعلماءه.

لقد أُبعد المذهب المالكي عن التشريع، وتبَعاً لذلك عن القضاء، وأبعد عن السياسة والاقتصاد، وأبعد عن التعليم والإعلام ... وعموما أُبعد عن الدولة وأبعدت الدولة عنه.

وعندما ظهرت الصحوة الإسلامية، في المغرب ومِنْ حولِه، بدأ بعض المسؤولين الأذكياء ـ وقليل ماهم ـ يلتمسون الوسائل الناجعة لمواجهة هذه الصحوة ومعالجة تحدياتها وتداعياتها، فتذكروا المذهب المالكي ...

طيلة حقبة الثمانينيات والتسعينيات، كان الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، يُكثر من ذكر المذهب المالكي وتأكيد أهميته الكبرى، في البناء والتوحيد والتثبيت للكيان المغربي. لكن معظم المسؤولين ـ وفي طليعتهم وزراء جلالته ـ لم يكونوا مؤهلين لفهم هذا الخطاب ودرك أبعاده ومتطلباته.ثم خَلَفَ خلْفٌ يكرهون هذا الخطاب ولا يريدون سماعه أصلا.

وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية اعتُبرت صاحبة الاختصاص في هذا الشأن، فتحركت تحركات فيها كثير من الفوائد والحسنات، ولكنها حشرت المذهب المالكي وبعض فقهائه في زاوية ضيقة، هي زاوية " الدفاع عن العادات والخصوصيات المغربية " في مواجهة بعض الظواهر" الإخوانية والوهابية ". وهكذا أصبح المذهب المالكي يُستحضر ويستنفرـ أساسا ـ لخوض معارك ضد القبض في الصلاة، وضد صلاة ركعتين قبل الجمعة أو بعد صلاة المغرب، ضد التسليمة الثانية، أو للدفاع عن ترك التعوذ والبسملة، وعن الدعاء الجماعي في أدبار الصلوات، وعن الأذانات الثلاثة يوم الجمعة ...

لقدحصروا المذهب المالكي وشغلوا الكثير من فقهائه في مسائل جزئية خلافية (خلافية حتى داخل المذهب نفسه)، وهي ـ مع ذلك ـ لا تشكل حتى واحدا بالمائة من المذهب وفقهه العظيم. وكأنهم يريدون أن يقولوا: هذا هو المذهب المالكي، ولا شأن للفقه المالكي بما سوى ذلك، من شؤون الدولة والمجتمع، لاشأن له بالقوانين وبالقضاء، ولا بالمال والأعمال، ولا بالبنوك والشركات ...

إذا كان المغرب مالكيَّ المذهب، فما قول مذهبنا في منع قيام مصارف إسلامية لاربوية بالمغرب، خلافا لجميع الدول العربية والإسلامية، وحتى بعض الدول الغربية؟ هل من المذهب المالكي إرغام الناس على التعامل الربوي وسد أبواب الحلال عليهم؟

هل من المذهب المالكي إغراق البلاد وأهلها في الخمور بلا حسيب ولا رقيب؟ ونحن نعلم أن " ما قاله مالك في الخمر " صار مثلا يضرب لشدة المقت والذمِّ والتحقير ...

وهل من المذهب المالكي إجراء الانتخابات والاستفتاءات كلها يوم الجمعة، مما يسبب حرمان مئات الآلاف من المواطنين من أداء فريضتهم؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير