جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره وإباحة خلوة المعتكف وزيارة المرأة للمعتكف.
وروى عبد الرزاق عن علي قال: من اعتكف فلا يرفث في الحديث ولا يساب ويشهد الجمعة والجنازة وليوص أهله إذا كانت له حاجة، وهو قائم ولا يجلس عندهم.
وأما إقراء القرآن وتدريس العلم ودرسه ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث فقد اُختلف فيه. فعند الإمام أحمد أنه لا يستحب ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصة به.
قال المروزي:
قلت لأبي عبد الله إن رجلاً يُقرئ في المسجد وهو يريد أن يعتكف ولعله أن يختم في كل يوم فقال:
إذا فعل هذا كان لنفسه وإذا قعد في المسجد كان له ولغيره يقرئ أحب إلي.
وذهب الشافعي كما في المغني: إلى استحباب لأنه أفضل العبادات ونفعه يتعدى.
والقول ما ذهب إليه الإمام أحمد وهو الأفضل والله أعلم.
ملحوظة (1): بعض الناس يعدون الاعتكاف فرصة خلوة ببعض أصحابهم وأحبابهم، وتجاذب أطراف الحديث معهم، وليس هذا بجيد.
حقا أنه لا حرج في أن يعتكف جماعة معا في مسجد، فقد اعتكف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه، حتى لقد كانت إحداهن معتكفة معه، وهي مستحاضة ترى الدم وهي في المسجد رواه البخاري (303، 304)، فلا حرج أن يعتكف الشخص مع صاحبه أو قريبه، ولكن الحرج في أن يكون الاعتكاف فرصة لسمر والسهر، والقيل و القال، وما شابه ذلك. ولذلك قال الإمام ابن القيم بعدما أشار إلى ما يفعله بعض الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عِشْرة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الحديث بينهم، قال: (فهذا لون، والاعتكاف النبوي لون) زاد المعاد.
ملحوظة (2): بعض الناس يترك عمله، ووظيفته وواجبه المكلف به، كي يعتكف، وهذا تصرف غير سليم؛ إذ ليس من العدل أن يترك المرء واجبا ليؤدي سنة؛ فيجب على من ترك عمله المكلّف به واعتكف، أن يقطع الاعتكاف، ويعود إلى عمله لكي يكون كسبه حلالا، وأمّا إذا استطاع أن يجعل الاعتكاف في إجازة من عمله أو رخصة من صاحب العمل فهذا خير عظيم.
محظورات الاعتكاف:
أ- الخروج من المسجد: يبطل الاعتكاف إذا خرج المعتكف من المسجد لغير حاجة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان، وهي حاجته إلى الطعام، إن لم يكن بالإمكان أن يؤتى إليه بالطعام، كما كان يؤتى بطعام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد إذ يقول (سالم): " فأما طعامه وشرابه فكان يؤتى به إليه في معتكفه).
وكذلك خروجه للتطهر من الحدث الأصغر، والوضوء لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً) فتح الباري 4/ 808.
ب- مباشرة النساء: ومنها الجماع، فهذا الأمر يبطل الاعتكاف، لورود النهي عنه صريحاً في قوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) سورة البقرة /187.
ج- الحيض والنفاس: فإذا حاضت المرأة المعتكفة أو نفست وجب عليها الخروج من المسجد، وذلك للمحافظة على طهارة المسجد وكذلك الجنب حتى يغتسل.
د- قضاء العدة: وذلك إذا توفي زوج المعتكفة وهي في المسجد وجب عليها الخروج لقضاء العدة في منزلها.
هـ- الردّة عن الإسلام: حيث إن من شروط الاعتكاف الإسلام، فيبطل اعتكاف المرتد.
الجوانب التربوية للاعتكاف:
(1) تطبيق مفهوم العبادة بصورتها الكلية:
يؤصل الاعتكاف في نفس المعتكف مفهوم العبودية الحقة لله عز وجل، ويدربه على هذا الأمر العظيم الذي من أجله خلق الإنسان، إذ يقول الحق تبارك وتعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات/56. حيث إن المعتكف قد وهب نفسه كلها ووقته كله متعبداً لله عز وجل.
ويكون شغله الشاغل هو مرضاة الله عز وجل، فهو يشغل بدنه وحواسه ووقته - من أجل هذا الأمر - بالصلاة من فرض ونفل وبالدعاء، وبالذكر، وبقراءة القرآن الكريم، وغير ذلك من أنواع الطاعات.
¥