وأهل السنة يردون كل قول، وكل خلاف إلى هذه الأصول، فما وافق الكتاب، والسنة، والإجماع قبلوه، وما خالفها رفضوه من قائله كائناً من كان، فإنه لا أحد معصوماً، ولا قولاً معصوماً سوى ذلك، أي: الكتاب و السنة و الإجماع.
وأهل السنة و الجماعة , أكثر طوائف الأمة حرصاً على السنة وتدوينا لها , وحفظاً وعملاً , وإن وجد مَنْ غيرِهِم مَنْ يهتم بها فهو لخدمة هوى في نفسه , أو ليخلط حقا بباطل.
أما أهل السنة والجماعة فيهتمون بكتاب الله عز وجل حفظاً وتلاوة , ويهتمون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم حفظاً وفهماً , وكذلك تصحيحاً وتضعيفاً.
ومما يميز أهل السنة و الجماعة و يختصون به دون غيرهم من الطوائف , أنهم أمة وسط , وهذه الوسطية تتجلى في أمور الإيمان و العقيدة و المنهج جميعاً.
وضوح المنهج سبب في صحة العبادة:
فوضوح المنهج وبيانه , له أعظم الأثر على صحة العبادة , وعلى صحة سير العبد إلى ربه ومولاه , فكم من أقوام قد اجتهدوا في العبادة , وأظهروا الطاعة؛ فلما أخطئوا الطريق كانت عباداتهم هباءً منثورا.
قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (23)} [سورة الفرقان: 23]
فربما يكون العبد عنده من العبادة , أو مدعيا للاستقامة , ولكن المنهج والطريق غير واضح , فوقع في شعبة من شعاب أهل البدع فهلك , ولذلك فالمنهاج يكون بالاستقامة على عقيدة أهل السنة وملازمة منهجهم؛ مع الحذر من طرق أهل الهلكة , ويكون ذلك ملازما له إلى آخر الطريق.
فمهما حاول العبد أن يطرق بابا من الأبواب , أو أن يسير في درب من الدروب , بلا منهج واضح فلن يصل إلى الحق.
فهؤلاء الخوارج رغم كثرة صلاتهم وصيامهم , لما جهلوا المنهج وحادوا عن سبيل أهل السنة كانوا من أهل الضلالة.
عَنْ أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ , وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ , يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ , يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ , يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ , ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ , ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ وَهُوَ قِدْحُهُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ , ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ , قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَ الدَّمَ , آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ , وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ , قَالَ: أَبُو سَعِيدٍ فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ. (5)
فهؤلاء أهل عبادة وجهد واستقامة , كانوا يسموا بالقراء لشدة اجتهادهم وملازمتهم له , ورغم ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ "ورغم ما جدوا فيه من الصلاة والصيام إلا أنهم " يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ".
وهذا عمرو بن عبيد كان من أشهر عباد المدينة , قال سفيان بن عيينة: كان عمرو بن عبيد يصلي الصبح بوضوء العتمة بمكة. (6)
ورغم ذلك كان منحرفا عن الطريق فقد كان معتزليا وقدريا. (7)
فالطرق كثيرة , والشعاب متفرقة , و الأكثرون يلقون بأنفسهم في طرق الهلكة , فماذا يجب عليك حتى تتحقق من خطورة الأمر؟ وتبحث عن طوق النجاة؟! وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة , ستسير في طرق الهلكة؛ ولن ينجو منها إلا واحدة كما بينا سابقا , ومن لم يهتم ببداية الطريق فلن يصل إلى النهاية.
فبهذا يتبين بوضوح وجلاء وجوب معرفة الحق , وأن تقول لنفسك لا أذوق غمضا حتى أصل إليه.
¥