أمَّا في الدنيا، فقد تكون العقوبة خسارةً في ماله، أو مَحْقٌ إلهيٌّ للمال الذي اكتسبه، ونَزْع البركة منه، أو مصيبةً في جسده؛ قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].
وأما في قبره، فقد ورد في الحديث: أن عبدًا يُقال له مِدْعَمٌ، كان مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -واستشهِد في غزوة خيبر؛ أصابه سهمٌ طائِشٌ، فقال الصحابة - رضي الله عنهم -: هنيئًا له الشَّهادة، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((كلاَّ، والذي نفسي بيده، إن الشَّمْلة التي أصابها يوم خيبر من المغانِم، لم تُصِبْها المقاسِم - لَتَشْتَعِلُ عليه نارًا))، فلما سمع الناس ذلك، جاء رجلٌ بشِراكٍ أو شِراكَيْن إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((شِراكٌ أو شِراكانِ من نارٍ)) [6] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftn6)؛ وهذه الشَّمْلَة عباءةٌ قيمتها دراهم معدودة، ومع ذلك لم يَسْلَم صاحبها من عقوبة أكل المال الحرام.
وأما في الآخِرة، فعن كعب بن عَجْرَة: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((يا كعبُ، لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ؛ إلاَّ كانت النار أوْلى به)) [7] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftn7).
ومن عقوبة أكل المال الحرام: حِرمان إجابةِ الدُّعاء وقبول العبادة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا أيها الناس، إنَّ الله طيبٌ، لا يقبل إلا طيِّبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسَلين؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}))، ثمَّ ذكر الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفرَ، أشعثَ أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومَطْعَمه حرامٌ، ومَشْرَبه حرامٌ، ومَلْبَسه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُسْتَجَابُ لذلك!)) [8] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftn8).
وهذا الحديث فيه تحذيرٌ لطائفةٍ من الناس، خدعهم الشيطان، وزيَّن لهم أعمالهم السيئة، فتراهم يأكلون الحرام، وينفقون منه في بعض الأعمال الصالحة؛ كبناء المساجد أو المدارس، أو حفر الآبار، أو غير ذلك، ويظنُّون أنهم بهذا برئت ذمَّتهم، فهؤلاء يعاقَبون مرتَيْن:
الأولى: أنَّ الله لا يقبل منهم أعمالهم الصالحة التي أنفقوا عليها من الأموال المحرَّمة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله طيِّبٌ، لا يقبل إلا طيِّبًا)) [9] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftn9).
الثانية: أن الله يعاقبهم على هذا المال الحرام، ويحاسَبون عليه يوم القيامة؛ فعن خَوْلَة الأنصارية - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن رجالاً يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ؛ فلهم النار يوم القيامة)) [10] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftn10).
قال سفيان الثوري: "مَنْ أنفق الحرام في الطاعة، فهو كمَنْ طهَّر الثوبَ بالبَوْل، والثوب لا يَطْهُر إلا بالماء، والذنب لا يكفِّره إلا الحلال".
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغنِنا بفضلك عمَّنْ سواك.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــ
[1] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftnref1) تفسير ابن كثير (1/ 224 - 225).
[2] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftnref2) سنن الترمذي (4/ 569) برقم (2336)، وقال: حديث حسن صحيح، وصحَّحه الشيخ الألباني، في صحيح الجامع الصغير (1/ 430) برقم (2148).
[3] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftnref3) صحيح البخاري (2/ 84) برقم (2083).
[4] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftnref4) صحيح البخاري (2/ 74) برقم (2051)، وصحيح مسلم (3/ 1219 - 1220) برقم (1599)
[5] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftnref5) فتوى رقم (17611).
[6] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftnref6) صحيح البخاري (4/ 230) برقم (6707).
[7] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftnref7) قطعة من حديث، في سنن الترمذي (2/ 513) برقم (614).
[8] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftnref8) صحيح مسلم (2/ 73) برقم (1015).
[9] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftnref9) قطعة من حديث في صحيح مسلم (2/ 73) برقم (1015).
[10] ( http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx#_ftnref10) صحيح البخاري (2/ 393) برقم (3118).
المصدر: http://www.alukah.net/articles/1/5228.aspx