تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: سموا عليه أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر فأباح النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل هذا اللحم مع الشك في ذكر اسم الله عليه، ومعلوم أن ذكر اسم الله على اللحم شرط لحله، وقرينة الشك موجودة لقول عائشة: وكانوا حديثي عهد بالكفر ومعلوم أن حديث العهد بالكفر قد يجهلون التسمية.

وإحلال النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك مع الشك، في وجود شرط الحل وهو التسمية، وقيام قرينة على هذا الشك، وهي كونهم حديثي عهد بكفر، دليل على إجراء ما ذبحه من تحل ذبيحته على أصل الحل، وبناء على ذلك فما يرد مما يذبحه اليهود أو النصارى غالبه مما جهل كيف وقع ذبحه، فيكون تحديد المقام فيه إجراءه على أصل الحل وعدم وجوب السؤال عنه.

فهنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- والشيخ محمد يقرران: أن الأصل الحل، لاحظ هنا هذا التأصيل لأنا سيأتينا في القول الثاني تقرير أن الأصل الحظر، فتأصيل المسألة مهم جدا، فلاحظ هنا أصحاب هذا القول يقرران أن الأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل إلا إذا علمنا أنهم ذبحوه على غير الوجه المشروع، فأقول: انتبه لهذا التأصيل؛ لأنه سيأتينا في أدلة القول الثاني، تقرير أن الأصل الحظر الأصل في اللحوم الحظر، فتأصيل المسألة مهم جدا.

ننتقل إلى القول الثاني: وهو أن النوع من الذبائح محرم؛ لأن الأصل في الحيوانات التحريم، لاحظ هذا الأصل يقابل الأصل الذي ذكره أصحاب القول الأول، قالوا: لأن الأصل في الحيوانات التحريم، فلا يحل شيء منها إلا بذكاة شرعية متيقنة تنقلها من التحريم إلى الإباحة، قالوا: وحصول الذكاة على الوجه الشرعي في هذه اللحوم أمر مشكوك فيه فتبقى على الأصل وهو التحريم.

ومن أبرز من قال بهذا القول الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله- وكذلك أيضا بحث هذه المسألة الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- في رسالة الدكتوراه التي أعدها، رسالة الدكتوراه للشيخ كانت عن الأطعمة وأحكام الأطعمة والذبائح والصيد، فالشيخ -حفظه الله- بحث هذه المسألة بتوسع في كتابه في رسالة الدكتوراه له، ورجح القول بتحريم هذه الذبائح، وهذا النوع من الذبائح.

ووجهة هذا القول قالوا: إن الأصل في الأبضاع والحيوانات التحريم، فلا يحل البضع إلا بعقد صحيح مستجمع لأركانه وشروطه، كما لا يباح أكل لحوم الحيوانات إلا بعد تحقق تذكيتها ممن هو أهل للتذكية.

وقالوا: فإن الله -سبحانه وتعالى- حرم الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة والموقوذة والمتردية، والنطيحة وما أكل الذبح إلى ما ذكي، قالوا: هذا دليل على أن الأصل في الحيوان التحريم، إلا ما ذكاه مسلمون أو أهل كتاب، وتحقق من تذكيته على الوجه المشروع.

قالوا فما يرد إلينا من اللحوم المستوردة من بلاد أهل الكتاب فإذا تحقق من كونهم يذبحون على الطريقة الشرعية لا إشكال في حله، ولكن الواقع أن تلك اللحوم المستوردة إنما تستورد من بلاد جرت العادة عندهم أو عند أكثرهم أنهم يذبحون بالصعق وبالخنق وبضرب الرأس، وحينئذ نكون في شك من حل هذه الذبائح، ونبقى على الأصل وهو التحريم؛ تغليبا لجانب الحظر، قالوا: فقد اجتمع مبيح وحاظر في هذه الذبائح فيغلب جانب الحظر.

قالوا: ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا أرسلت كلبك المعلَّم، وذكرت اسم الله عليه فكل، فإن وجدت معه كلبا آخر فلا تأكل ففي هذا الحديث بين - عليه الصلاة والسلام - أن من يصيد بكلبه المعلم إذا وجد معه كلبا آخر فإنه لا يأكل من صيد كلبه؛ تغليبا لجانب الحظر، لأنه اجتمع في هذه الصورة مبيح، وهو إرسال الكلب المعلم، وغير مبيح، وهو اشتراك الكلب الآخر، فغلب جانب الحظر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير