تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجاء في رواية: وإن وقع في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك لأنه حينئذ يقع التردد بقتله، هل قتله السهم الذي أرسلته، إذا كان الصيد عن طريق السهم، أو أنه غرق في الماء، فاجتمع مبيح وحاظر فغلب جانب الحظر سواء عند إرسال الكلب المعلم مع وجود كلب آخر، أو عند إرسال السهم وسقوطه في الماء وغرقه، قالوا: فهذا دليل لما ذكرناه من الأصل، وهو أن الأصل في الحيوانات التحريم.

قالوا: وأما حديث عائشة: سموا أنتم وكلوا فهذا ورد في قوم مسلمين إلا أنهم حديثو عهد بكفر بخلاف ما يرد لنا من ذبائح أهل الكتاب، وهي محل شك في تذكيتها على الوجه المشروع، هذه هي وجهة أصحاب هذا القول.

والذي يظهر في هذه المسألة والله أعلم، نقول: أولا: لا شك أن الورع والاحتياط هو اجتناب تناول هذه اللحوم المستوردة، والبعد عنها؛ لأن ما أثير حولها يورث شبهة قوية، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فالورع والاحتياط هو أن لا يتناول المسلم هذه اللحوم المستوردة، وهذا باتفاق العلماء، حتى أصحاب القول الأول الذين قالوا إنها مباحة يرون أن الورع تجنبها، أن الورع تجنبها خاصة مع وجود البديل، والبديل موجود في البلاد الإسلامية، وحتى غير البلاد الإسلامية يوجد هناك من يذبح على الطريقة المشروعة من المسلمين، أو حتى من أهل الكتاب، فالبديل موجود ولله الحمد، ما دام البديل موجودا فلماذا يلجأ الإنسان إلى هذه اللحوم التي هي محل شك؟! قد قال - عليه الصلاة والسلام -: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك هذا من حيث الورع.

وأما من حيث الحكم الشرعي، فالذي يظهر والله أعلم هو أن القول الراجح في هذه المسألة هو القول الأول: وهو أنها مباحة، وذلك لأن الأصل في ذبائح أهل الكتاب هو الحل، أن الأصل في ذبائح أهل الكتاب هو الحل إلا إذا علمنا بأنهم قد ذبحوها على وجه غير مشروع.

وهذا الأصل أولى من الأصل الذي ذكره أصحاب القول الثاني وهو أن الأصل في الحيوانات التحريم؛ لأن هذا القول، وهو الأصل في الحيوانات التحريم إنما ينطبق على حيوان شك في حله من حرمته، وهنا نقول الأصل الحرمة، لكن هذه حيوانات مباحة في الأصل: أغنام أو أبقار أو دواجن، هي مباحة بالأصل، ولكن الشك إنما أتى في كيفية الذبح، فليس الشك واردا في أصل الحيوان حتى نقول الأصل في الحيوانات التحريم، إنما أتى الشك في كيفية ذبح حيوانات مجمع على حلها، وحينئذ لا يرد الأصل الذي ذكره أصحاب القول الثاني، فالأقرب للأصول والقواعد الشرعية هو التأصيل الذي ذكره أصحاب القول الأول.

وأما حديث عدي في إرسال الكلب المعلم، أيضا الرمي بالسهم، ووقوع الصيد غريقا في الماء، ونهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الأكل منه،، هذا إنما ورد في الصيد خاصة.

وأما في الذكاة فقد ورد فيها والذبائح ورد فيها نصوص أخرى، ومنها حديث عائشة: إن قوما يأتوننا بلحم، ولا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوا، وكانوا حديثي عهد بالكفر. فهذا نص في هذه المسألة وهو أنه حصل الشك في شرط الحل وهو التسمية، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإجراء الأمر على الأصل وهو الحل، ولهذا قال: سموا أنتم وكلوا مع أيضا كون النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل من ذبائح أهل الكتاب، فهذا يدل على أن الأصل الذي ذكره أصحاب القول الأول، أولى من الأصل الذي ذكره أصحاب القول الثاني.

وبهذا صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- جاء في الفتوى: " أن الأصل في ذبائح المسلمين وأهل الكتاب الحل، حتى يثبت ما يخرجها عن ذلك إلى التحريم، والأخبار عما يستورد من الذبائح من دول الكفار لم تزل مختلفة ومضطربة، حتى إن وزير التجارة ما زال ينكر بقوة ما يشاع عن اللحوم والمعلبات المستوردة إلى المملكة بأنها ذبحت ذبحا غير إسلامي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير