قال الشوكاني في" نيل الأوطار" (2/ 328): واحتج من قال بالكراهة بما أخرجه أبو داود عن أبى اسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يا علي، لاتفتح على الإمام في الصلاة".و هو أقوى ما احتج به المانعون، و إلا فقد وردت بعض الأحاديث الأخرى لكنها أشد ضعفا و وهاء فلم يستدلوا بها، لشدة ضعفها، أما أقوى أدلتهم فإليك بيان ضعفه كذلك:
فقد أخرجه الطيالسي [178]، والإمام أحمد (1/ 146)، وعبد بن حميد كما في
" المنتخب" [67]، والبيهقي (3/ 212)، وأبو داود في الصلاة، باب: النهى عن التلقين [908]، وابن ماجه باب: ما يكره في الصلاة [965]، والبزار [154]
من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، عن علي به، وفيه طول.
قال أبو داود: أبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث، ليس هذا منها.
و الحارث الأعور:
قال الذهبى في " الكاشف" (1/ 195/868): " الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، عن علي وابن مسعود، وعنه عمرو بن مرة، والشعبي، شيعي لين، قال النسائي وغيره: ليس بالقوي، وقال ابن أبي داود: كان أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس".
وقال الحافظ: " صاحب علي، كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف، وليس له عند النسائي سوى حديثين".
وقال البيهقي في" السنن" (3/ 212): والحارث لا يحتج به، وروي عن علي، رضي الله عنه، ما يدل جواز الفتح على الإمام. انتهى.
وقال الشوكاني: وهذا الحديث لا ينتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بمشروعية الفتح. انتهى.
فظهر مما سبق أن الحديث ضعيف سنداً، منكر متناً، لا يقوى على معارضة ما سبق الاستدلال به من الأحاديث التي تفيد مشروعية الفتح على الإمام.
وممن منع من الفتح على الإمام إلا في الفاتحة إمام الظاهرية وشيخهم أبو محمد بن حزم، فقال في" المحلى" (4/ 5/379):
ولا يجوز لأحد أن يفتي الإمام إلا في أم القرآن وحدها، فإن التبست القراءة على الإمام فليركع، أو ينتقل إلى سورة أخرى، فمن تعمد إفتاءه وهو يدرى أن ذلك لا يجوز له بطلت صلاته.
برهان ذلك: ما قد ذكرناه بإسناده من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:" أتقرأون خلفي"؟ قالوا: نعم، قال:" لا تفعلوا إلا بأم القرآن".
فوجب أن من أفتى الإمام لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون قصد به قراءة القرآن، أو لم يقصد به قراءة القرآن، فإن كان قصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز، لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يقرأ المأموم شيئاً من القرآن حاشا أم القرآن،
وإن كان لم يقصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز لأنه كلام في الصلاة وقد أخبر عليه السلام أنه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وهو قول علي بن أبي طالب وغيره، وبه يقول أبو حنيفة.
فإن ذكروا خبراً رويناه من طريق يحيى بن كثير الأسدى، عن المسور بن يزيد الأسدى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسي آية فى الصلاة، فلم سلم ذكره رجل بها، فقال: " أفلا أذكرتنيها".
فإن هذا هو موافق لمعهود الأصل من إباحة القراءة في الصلاة، وبيقين ندري أن نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرأ خلقه إلا بأم القرآن فناسخ لذلك ومانع منه، ولا يجوز العود الى حال منسوخة بدعوى كاذبة في دعويها. انتهى.
وفي هذا الكلام عدة مواضع للنظر فيه، منها:
- الاستدلال بالنهي عن القراءة بغير الفاتحة، وسبب ورود الحديث معلوم لدى الكافة، أن رجلاً كان يقرأ مع قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:" مالي أنازع القرآن"، وأما الذى يفتح على الإمام فلا ينازعه بل ينبهه إلى سهو أو خطأ طرأ عليه في صلاته، فهو استدلال مع الفارق.
- قوله (فوجب من أفتى الإمام لا يخلو من أحد وجهين ............ )
قلت: سواء قصد القراءة، أو قصد الإعلام والتنبيه، فهو فعل مشروع لما سبق ذكره من الأدلة القاضية بمشروعية الفتح على الإمام، والتى لم يذكرها ابن حزم، لذا قال الشوكاني راذاً عليه في " نيل الأوطار" (2/ 328 - 329): وتقييد الفتح بأن يكون على إمام لم يؤد الواجب من القراءة (يعنى الفاتحة) وبأخر ركعة مما لا دليل عليه، وكذا تقييده بأن يكون في القراءة الجهرية، والأدلة قد دلت على مشروعية الفتح مطلقاً. انتهى.
¥