-أما دعوى النسخ المذكورة، فلا دليل على النسخ بمعرفة المتقدم والمتأخر، والمعلوم لدى العلماء أنه لا يصار إلى النسخ إذا أمكن الجمع بين الأحاديث، وقد تمكنا، والحمد لله.
وبقت هنا كلمة، أن الفتح على الإمام، وإعلامه بما أخطأ فيه، وإصلاح خطئه، من باب قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) [المائدة:2]، كما أن الفتح على الإمام، بضوابطه، يضمن صحة صلاة الإمام والمأمومين، وهى غاية عظيمة، وهدف نبيل مشروع، تؤيده وتدعمه الأدلة السابق ذكرها.
لذا قال القسطلاني في " إرشاد الساري" (2/ 371) عن التسبيح، و التصفيق:
وبهذا قال مالك والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، والجمهور،
وقال أبو حنيفة ومحمد: متى أتى بالذكر جواباً بطلت صلاته، وإن قصد به الإعلام بأنه في الصلاة لم تبطل، فحملا التسبيح المذكور على قصد الإعلام بأنه فى الصلاة، من نابه، على نائب مخصوص، وهو إرادة الإعلام بأنه في الصلاة، والأصل: عدم هذا التخصيص؛ لأنه عام لكونه في سياق الشرط، فيتناول كلا متهما، فالحمل على أحدهما من غير دليل لا يصار اليه، لا سيما التي هي سبب الحديث، لم يكن القصد فيها إلا تنبيه الصديق على حضوره صلى الله عليه وآله وسلم، فأرشدهم صلوات الله عليه وسلامه إلى أنه كان حقهم عند هذا النائب التسبيح، ولو خالف الرجل المشروع في حقه و صفته لم تبطل صلاته؛ لأن الصحابة صفقوا فى صلاتهم ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإعادة. انتهى.
فيظهر مما سبق بيانه، أنه لا حجة للمانعين من الفتح على الإمام، أو من قيدوه بحالة دون أخرى، أو بفعل دون أخر، وأن الصواب: هو جواز الفتح على الإمام عند خطئه أو نسيانه، وقد يستحب أو يتوجب بحسب كل حالة،
وفي " قتاوى الجنة الدائمة" (6/ 399/661): "يشرع للمأموم إذا غلط إمامه أو نسي قراءته، أن يفتح عليه، ويلقنه الصواب في القراءة".
وفيها (6/ 399/9414): " يشرع لمن يصلى خلف الإمام أن يفتح عليه إذا سهى في قراءته، لكن إذا لم يفتح عليه أحد، فإن صلاته صحيحة، ولا يعيدها إذا كانت الآيات الساقطة من غير الفاتحة. انتهى.
فصل في بيان ما يتعاطاه الرجال والنساء حال النائبة تنوب في الصلاة.
قال أبو جعفر الطحاوى كما في " تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار" (2/ 312 - 316):
إن الاثار التي روتها العامة من أهل العلم فيما ينوب الرجل في الصلاة مما يستعملونه فيه هو التسبيح، وأن الذي يستعمله النساء في مثل ذلك هو التصفيق.
و ساق إسناده الى سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من نابه شيء في صلاته، فليقل: سبحان الله، إنما التصفيق للنساء، والتسبيح للرجال".
وإليه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من نابه شيء في صلاته، فليسبح، فإنه إذا سبح، التفت اليه، وإنما التصفيح للنساء".
وإليه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من نابه شيء في صلاته، فليسبح، فإن التصفيق للنساء".
قال أبو جعفر: فكان المأمور باستعماله في هذه الآثار هو التسبيح من الرجال، وهى آثار صحاح مقبولة المجيء، وأهل العلم جميعاً عليها، غير أن مالكاً سوى في ذلك بين الرجال و النساء، فجعل الذي يستعملونه في ذلك التسبيح لا التصفيق.
كما حدثنا يونس، قال أخبرنا ابن وهب قال: وسئل مالك: أتصفق المرأة في الصلاة؟ قال: لا، قال النبى صلى الله عليه وسلم:" من نابه شيء في صلاته فليسبح".
وغير أن أبا حنيفة قد كان يقول: من سبح في صلاته ابتداء لم يفسد ذلك صلاته، وإن سبح فيها جوابا، أفسد ذلك صلاته، وتابعه على ذلك محمد بن الحسن وخالفهما أبو يوسف في ذلك، فقال: الصلاة جائزة في ذلك كله.
وكان الأمر عندنا في ذلك كله اتباع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وترك الخروج عنه، وعن شيء منه، واستعمال النساء فيما ينوبهن في ذلك التصفيق لا التسبيح، واستعمال الرجال فيما ينوبهم في ذلك التسبيح لا التصفيق، وأن لا فرق في ذلك بين التسبيح ابتداء أو جواباً، لأنا قد رأينا الكلام الذي لا يتكلم به في الصلاة هذا حكمه: يقطعها إذا كان ابتداء، ويقطعها إذا كان جوابا، ولما كان التسبيح لا يقطعها إذا كان ابتداء، لم يقطعها إذا كان جوابا، وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم التفريق في ذلك بين الرجال والنساء على قد ما ذكرنا في حديث ابن عيينة، عن أبى حازم.
¥