تاج الملوك وفخرهم في دارمٍ
أيامَ يرْبوعِ مع الرعْيانِ
فأسرع الفرزدق ينتصر للأخطل ويقول:
يا ابنَ المراغةِ والهجاءُ إذا التقتْ
أعناقُه وتماحك الخصْمانِ
يا ابن المراغةِ إَّن تغلب وائلٍ
دفعوا عناني فوق كلّ عنانِ
فسلَّ قلمه جرير وقال:
لمن الديارُ ببرقةِ الروحَانِ
إذ لا نبيعُ زماننا بزمانِ
ويقول فيها:
أنسيتَ ويْلَ أبيك غدْر مجاشَعٍ
ومجرَّ جِعْثنَ ليلةَ السيدانِ
ونسيتَ أعْينَ والربابَ وجارَكْم
ونوارَ حيث تصلْصل الحجْلانِ
يقول للأخطل: أنسيت غدر مجاشع، (وهي قبيلة الفرزدق) بالزبير بن العوام، حين استجار ببني مجاشع، بعد وقعة الجمل، ثم يشير إلى حادثة غريبة، هي أن غالباً أبا الفرزدق، جاور طلبة بن قيس بن عاصم المنقري، بالسيدان: بكسر السين، اسم ماء لبني تميم في ديارهم، وقد ذكره جرير في شعره، فقال:
بذي السيدان يركضُها وتجْري
كما تجْري الرجوفُ من المَحالِ
وبالسيدان قيْظُك كان قيظاً
على أمّ الفرزدق ذا وَبالِ
وكانت (جِعْثِن) بكسر الجيم، والعين الساكنة، والثاء المثلثة المكسورة، أخت الفرزدق، صديقة لظمياء بنت طلبة، تتحدث إليها كل ليلة، وكانت إذا أرادت لقاءها، حركت لها حجلها لتجيء إليها، فأراد الفرزدق أن يلتقي بظمياء، في غياب أخته (جعثن)، فأخذ الفرزدق حجلها وحركه كعادة أخته، فجاءت ظمياء كعادتها، فارتابت بالفرزدق وصاحت، وعادت إلى خدرها. فلما علم فتيان الحي، أسرعوا فأخرجوا (جعثن) من خبائها ثم سحبوها ليشهروا بها. وقد ذكرت القصة مطولة في بعض كتب الأدب. وجاء في (خزانة الأدب) للبغدادي، عن (جعثن): أنها امرأة صدق، وقد كذب عليها جرير، إذ كان يذكرها في مهاجاته للفرزدق بسوء. وقال اليربوعي: وكذب عليها جرير، وكان يقول: أستغفر الله فيما قلت لجعثن.
قال: وكانت إحدى الصالحات .. وانظر: (خزانة الأدب) ج1 صفحة 217 طبعة دار الكاتب العربي سنة 1387ه.
وهناك رواية أخرى تشير إلى أسباب الخلاف بين جرير والفرزدق، يطول شرحها، ولنا عودة إن شاء الله، إذا ما وهب الله لي ملاءً من العمر، يؤنسني بنشاط وهمّة ..
واسم الفرزدق: همّام بن غالب بن صعصعة بن ناجية، من بني دارم، من بني تميم، وكان جده (صعصعة) محيي الموءودات، وجعل على نفسه أن لا يسمع بموءودة إلا فداها، فجاء الإسلام، وقد فدى ثلاثمائة موءودة، وقيل: أربعمائة .. )
انتهى.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[04 - 04 - 2008, 04:37 م]ـ
جزاكم الله خيرا أستاذنا سمير العلم فقد وضح الأمر
وستأتيكم محاولتي قريبا إن شاء الله لن أتجاوز ثلاثة أيام
دعواتكم لنا
فأنا أكتب لأول مرة على بحر الطويل
ـ[سمير العلم]ــــــــ[05 - 04 - 2008, 12:34 ص]ـ
حديث شيّق
اتاح الله لك موهبة الشعر يا زيزفونة
لله درك يا سمير ...
تتميز باسلوب راق وسلس وجذاب ...
دمتم متميزين
أشكرك يارسالة، عن نفسي بالأصالة، وعن الزيزفونة بالنيابة. ولك تحيات الشعر، وسلام الشعراء.:)
ـ[سمير العلم]ــــــــ[05 - 04 - 2008, 03:05 م]ـ
الأمر يبدو أصعب مما تصورت
لكن يكفيني شرف المحاولة
وربما يطول الأمر قليلا
ماهي أخبار معارضتك أيها المشاغب؟
أظن أستاذنا سمير العلم يعارض الآن زهير بن أبي سلمى أو الأعشى:)
فقد فقدنا صوته من أيام
أتمنى لكم التوفيق
أشكرك على تفقدك إياي، وجزاك الله خيرا. أما شعراء الجاهلية فحسبنا أن نقرأهم لنتعلم منهم جمال السبك، , وإصابة المرمى، وروعة البناء، وصفاء اللغة. لكن لماذا لا أشارككما في معارضة قصيدة المتنبي؟ طبعا إن سمح الطبع، وجادت القريحة، فإني أراها مجبلة (أجبل الرجل: حفر حتى وصل إلى أرض من الجبل صماء لا ماء فيها، وأجبل الشاعر صعب عليه القول).
ليس هناك خاسر في هذه المنافسة. إنما نحاول أن نشحذ قرائحنا، وندرب سلائقنا، ونتشبه بالكرام، الذين يقولون كريم الشعر. (والكريم من الشعر هو الحر النفيس المستجاد، العالي في لفظه ومعناه، وهذا من ثراء اللغة، ومن عجيب تصرفها، إذ نلاحظ اتساع المدلول في لفظة (الكرم) , وتعدد استخدامها، ومن أطرف ذلك وصف (الطعن) بالكرم في قول الشاعر:
وما إن قتلناهم بأكثرَ منهمُ = ولكن بأوفى في الطعان وأكرما
لقد أفادنا الشاعر بأن طعنهم للأعداء كان أكرم طعن! فوصف الطعن بالكرم، وأن النصر إنما حصل به لا بكثرة العدد، تأمل ذلك وتدبر واعجب، وازدد حبا لهذه اللغة).
أعود لفكرة المعارضة فأقول: لم لا أدخل معكم في المنافسة؟ إلا إن شئتم أن أبقى حكما.
وإلى أن تروا رأيكم في مشاركتي أو تحكيمي، إليكم بعض النصائح الطريفة لمن يروم قول الشعر، أنقلها عن أبي حيان وابن رشيق وابن قتيبة، خذ منها ما يلائمك:
قيل لكثير: كيف تصنع إذا عز عليك قول الشعر؟ قال: أطوف في الرباع المحيلة، والرياض المعشبة، فيسهل علي أرصنه، ويسرع إلي أحسنه.
قال بعض السلف: ما استدعي شارد الشعر بمثل المكان الخالي، والمستشرف العالي، والماء الجاري، وله أوقات يسرع فيها أتيُّه، ويسمح فيها أبيُّه.
وقال عبد الملك بن مروان لأرطاة بن سهية: هل تقول الآن شعراً؟ فقال: كيف أقول شعرا وأنا لا أشرب ولا أطرب ولا أغضب، وإنما يكون الشعر بواحدة من هذه.
وقيل للشنفرى حين أسر: أنشد، فقال: الإنشاد على حين المسرة، ثم قال:
فَلاَ تَدْفنُوني إِنَّ دَفني مُحَرَّمٌ = عليْكُمْ ولكِنْ خَامِرِي أَمَّ عَامِر
إِذَا حَمَلُوا رأسِي وفي الرأسِ أَكثَرِى = وغودِرَ عِنْدَ المُلْتَقَى ثَمَّ سَائِرى
هُنالِكَ لاَ أَرْجُو حَيَاةً تَسُرُّني = سميرَ الليالي مُبْسَلاً بالجَرَائرِ
وللشعر تاراتٌ يبعد فيها قريبه، ويستصعب فيها ريضه. وكذلك الكلام المنثور في الرسائل والمقامات والجوابات، فقد يتعذر على الكاتب الأديب وعلى البليغ الخطيب، ولا يعرف لذلك سببٌ، إلا أن يكون من عارض يعترض على الغريزة من سوء غذاءٍ أو خاطر غم.
وكان الفرزدق يقول: أنا أشعر تميمٍ عند تميمٍ، وربما أتت على ساعةٌ ونزع ضرس أسهل على من قول بيت.
وللشعر أوقاتٌ يسرع فيها أتيه، ويسمح فيها أبيه. منها أول الليل قبل تغشى الكرى، ومنها صدر النهار قبل الغداء، ومنها يوم شرب الدواء، ومنها الخلوة في الحبس والمسير.
ولهذه العلل تختلف أشعار الشاعر ورسائل الكتاب.
¥