[الراجي علما]
ـ[الراجي علما]ــــــــ[15 - 04 - 2008, 05:37 م]ـ
الصوت كن أول من يقيّم
أكتشف الإنسان القديم الأصوات المحيطة (أصوات الطبيعة ? المخلوقات). . . وأكتشف بعدها مباشرة أن استطاعته إصدار أصوات من خلال جوفه (الحنجرة ? الفم ? اللسان ? الأسنان ? الشفتين) ومن خلال الحركة كالضرب على الأشياء. . . وكان الصوت هو لغة التواصل الأولى. . . بين البشر أنفسهم. . .
(لن أدخل هنا في وجهة النظر الدينية التي تظهر جليا من خلال الآية القرآنية الكريمة. . وعلم آدم الأسماء كلها أو ما يقرأ في الإنجيل في البدء كانت الكلمة)
ومن خلال تباين الأصوات وطريقة إصدارها ظهر الحرف. . وظهرت الكلمة. . . وظهرت الجملة. . ومن ثم ظهر التعبير. . عن كل ما يريد الإنسان إيصاله إلى الآخرين. . . أي اختصارا لما نسميه نحن اللغة.
إذا من خلال ما تقدم نعرف أن الصوت هو الأب الشرعي للموسيقا. . . وهوة الجد الأكبر للحرف والكلمة. .
ومن هنا أعتقد أن الموسيقا هي أصل اللغة. . .
دعونا نغوص أعمق. . .
إن الموسيقى وجدت بالأساس للتعبير عن الداخلية الذاتية للفرد. . . من خلال الأصوات ولكن كيف يمكننا فهم الوسائل التي مكنت الإنسان من تحويل الصوت الذي هو بالأساس صيحات طبيعة وبشر تفصح عن عاطفة وانفعال. . إلى تعبير فني عن هذه العاطفة وأقول فني. . . لأننا يجب أن ندرس الحالة المسماة فن. .
العاطفة لها مضمون. . . أما الصوت (كحالة فيزيائية) فهو خال تماما من أي مضمون. . .ولذلك فالصوت يحتاج إلى معالجة فنية كي يغدو تعبيرا ما. . .
هنا نجد أن المعالجة الأمثل للصوت هي محاولة جمع الأصوات بجميع أنواعها وطبقاتها وإرتفاعاتها ومحاولة خلق تركيبية جمالية تؤدي بالنتيجة إلى عمل فني محسوس. .
ومن خلال هذا التجميع. . . اضطر الإنسان إلى التجميع والترتيب للأصوات. . فاحتاج إلى الزمن. . (زمن القطعة ومدة طولها وتقطيعها). . . وخاصة أنه لاحظ أن هناك دورة زمنية معينة لكل الحركات. . .
حركة الليل والنهار. . . المد والجزر. . . وحتى الوزن الثنائي للسير البشري والرباعي للمشي عند الحيوانات
ومن هنا خلق وبدون تخطيط موضوع الوزن والإيقاع. . .
كل أنواع الفن تفتقر إلى ما يسمى آلية الزمن والتوقيع. . . فجميع الأشكال الفنية تصطف اصطفافا ساكنا ومباشرا أمام المتلقي إلا في الموسيقى. . . حيث تحتاج الموسيقا إلى اهتزاز الأجسام حتى تصدر. . . وخاصة أنها بالأساس هي نتيجة حركة موجات. . .
ولا نستطيع أن نقول عن الصوت أنه أصبح موسيقا إلا بتعاقبه وتتابعه وهذه ما يسمى بدورة الإيقاع. . .
ولكن العشوائية قد تخلي الموسيقا من أي قيمة فنية فلابد إذا أن يكون هناك ترتيب معين للدورة الصوتية. . . أو ما يسمى بدورة الزمن (وهو ما نسميه اصطلاحا بالإيقاع).
على الصوت أن يملك بداية ونهاية. . . حتى يصبح جمالا موسيقيا. . . فالأنا الذاتية لدى كل فرد متعودة وبشكل خلقي. . أن تدرك أن لكل شيء بداية ونهاية. . . ما عدا ذلك الشيء المجهول العالي. . . الذي أنبئنا أنه الخالق عز وجل. وضمن هذه البداية والنهاية هناك آلية دوران تكرارية تعطي الصوت مضمون العمل الفني الموسيقي. ومن هنا بالذات نرى حتمية شيء ما أسميناه الوزن. . . (ضابط الوزن).
يقول شوبنهاور في كتابه ميتافيزيقا الفن (وكلمة ميتافيزيقا بالمناسبة وللمعلومات العامة تعني الماورائيات) أنه يجب التركيز في فن الموسيقى على انصهار أجزاء الزمن لتؤلف وحدة تحقق للانا التطابق مع الذات.
ومن هنا نستطيع أن نعرف وظيفة الوزن بأنه إقامة وحدة زمنية تكون بمثابة ضابط ومقياس ومؤقت ومنظم لجريان الزمن الذي تدور به الأصوات لتؤلف موسيقى ما.
وهنا نستطيع أن نلبس هذا التعريف على أشكال فنية عدة. . . منها الرواية والمسرحية. . . والشعر. . .
وأي قارئ لأعمال دستويفسكي يستطيع ببساطة أن يدرك البعد الثالث للوزن والإيقاع في رواياته أو أستطيع هنا أن أذكر البحور الشعرية والأعمال الفنية للشعراء العرب. .
أنظروا إلى البعد الموسيقي الإيقاعي في هذه الجمل:
نعم. . . سرى طيف من أهوى. . . فأرقني.
أو:
الخيل. . . والليل. . . والبيداء. . . تعرفني.
أو
أضحى التنائي بديلا من تدانينا.
أو نستطيع أن نرى هذا التناظم (الوزن ? الإيقاع) في العمارة من خلال النظر إلى أي مسجد قديم وطريقة توزيع الأعمدة فيه ووحدة سمكها وحجمها).
ولكن التكرار الوزن و الإيقاع في الأشكال الفنية هو تكرار أحادي (حيث يلتقي فيه الوعي مع ذاته بحالة واحدة) وهذا ما يدعى بالتأثير الأحادي الجانب. . مما يجعل الأعمال الفنية الأخرى لها طبيعة ثابتة النتائج فإما أن تعجب بالعمل الفني أو لا. . . أما الموسيقى فتخرج غالبا إلى تأثير متعدد نتيجة تباين صوتي ووزني وإيقاعي مما يجعلها ذات تأثيرات متباينة ووجوه عدة.
(بعض أنواع الشعر حاولت أن تخرج عن الوزن ولكن لم تنجح بالخروج عن الايقاع العام للكلمة فنجحت نجاحا ضئيلا في التلوين وإعطاء مشاعر مختلفة ومن هذه الأعمال الفنية الموشح الأندلسي).
ولعل النجاح الأكبر في استعمال الملايين من الأوزان وإيقاع وصنعة باستخدام الكلمة كان في القرآن الكريم ولذلك فاجئ هذا الكتاب العرب وأدهشهم الصنعة الفنية التي فيه.
مارأيكم في هذا الموضوع،