ـ[سمير العلم]ــــــــ[24 - 04 - 2008, 10:02 م]ـ
الأخ الكريم البحتري1: بارك الله فيك وفي شعرك، سأعود للتعليق على ما تكتب، قريبا. وأسئلتك مهمة وجديرة بأن يحتفى بها، لأنها مفتاح من مفاتيح النضوج الشعري، لكن يؤخرني بعض العلائق والانشغالات، وسأكون معك قريبا إن شاء الله.
ـ[البحتري1]ــــــــ[25 - 04 - 2008, 05:57 م]ـ
بارك الله فيك أخي الحبيب و أعانك و يسر لك نحن في الإنتظار ....
ـ[سمير العلم]ــــــــ[26 - 04 - 2008, 07:30 م]ـ
أنا أحب الشعر
حياك الله يا محب الشعر. إن حبك للشعر مبرَّر، فهو ديوان المعاني الموارة في النفس، ومجلى أسرار العواطف والأفكار، ولهذا يقول أبو تمام:
ولولا خِلال سنَّها الشعرُ ما درى = بناةُ العلا من أين تؤتى المكارمُ
ويقول دعبل:
من كل قافية إذا أنشدتها = طلعت بها الركبان كل نِجادِ
طورا تمثلُها الملوك وتارة = بين الثدي تراض والأكبادِ
فهذا من القوة المكنونة في الشعر، بحيث تطير به في كل واد، وتطلع به كل نجاد (أي مرتفع من الأرض)، كناية عن سيرورته على الألسنة، حتى إن الملوك لتتمثل به وترويه، وأحيانا يراض بين الأثداء والأكباد (أي يلحن على الأعواد).
فهو فاكهة المجالس، وزينة المتحدثين، ورونق الخطباء، وسمير الملوك والسوقة، وهو مُواسي الحزين، ولسان العاشق، وعزاء المسكين. وكان العرب - والصحابة منهم - يتمثلون به دائما، ويروونه في كل مناسبة، والروايات في ذلك أكثر من أن يحاط بها. حتى إن اللحظات الأخيرة في حياة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، شهدت، تمثلا حزينا من عائشة رضي الله عنها عندما قالت: وهو في النزع الأخير على حجرها:
لعمرك ما يغني البكاء عن الفتى = إذا حشرت يوما وضاق بها الصدرُ
وقد خلف من بعد هؤلاء خلْف أضاعوا سنن العرب في الشعر، فكان سبيله عندهم التعمية والرمز وسلوك الضلال، بحيث يقول أحدهم كلاما يسميه شعرا، وما هو بشعر، إن هوإلا هذيان، وبعض الهذيان خير منه، لا يثير عاطفة، ولا يحرك وجدان، ولا يبعث على السلوان، ولا يسهل جريانه على اللسان، فضلا عن أن يبقى في الذاكرة، أو يستشهد به مستشهد.
فإن جاء واضحا جاء ركيكا مهلهلا، تبتغي فيه الحسن فلا تجده إلا بعد تأويل، وتعويل على النوايا. كأن تقول: يقصد الشاعر أن يقول كذا، ولكن خانه التعبير، ولعله أراد كذا، ولكن قصرت به الصياغة.
فأن سلم من التعمية والركاكة، جاءوا به في قوالب مشوهة، لا تعرف أولها من آخرها، ولا صحيحها من سقيمها، فيما يسمى بشعر التفعيلة، حيث عُدل عن النظام إلى الفوضى، وعن الطريق القويم، إلى بنيات الطريق، فتفرقت بهم السبل.
وأسوأ ما في شكل التفعيلة في رأيي هو ضياع هيبة البيت، حيث درج العرب على اعتباره لبنة، يجيء مع لبنات، فيسهل حفظه، واستدعاؤه، وقت تشاء، وتكون القصيدة به كالبناء الشامخ، غير منبعج، ولا مائل، ولا وجود لزوائد هنا غير متناظرة، أو أورام هناك متشاجرة (أي مشتبكة). وأعجبني جدا قول شيخنا أبي موسى عندما قال إن شاعرية المعاصرين ليست أكبر أو أعظم من شاعرية المتنبي مثلا وأبي تمام وغيرهم، فيطالبوا بتغيير الشكل الشعري، إلى أشكال جديدة، تستوعب - بزعمهم - شاعريتهم العظيمة!
أرجّح أن هناك أسبابا أخرى تدعوهم إلى هذا التجديد الذي هو في رأيي هدم، ليس أولها تقليد الغرب والأمم الأخرى وإن كانوا على باطل، والأنفة من تقليد أسلافنا، وإن كانوا على حق. وليس آخرها تغطية الضعف اللغوي لهؤلاء، فنحن نعلم أن القوافي تذوب، والأوزان تمسخ، في في شعر التفعلية.
نعود لموضوعنا يا بحتري:
ما دمت تحب الشعر فعليك أن تطيعه، إن المحب لمن يحب مطيع:)
وأقصد بإطاعتك إياه، أن تنمي موهبتك ليجيء شعرك على الوجه. فيفتخر بك الشعر كما تفتخر أنت به.
وكنت ألمحت سابقا إلى أننا نعيش - معاشر الشعراء- في هذا العصر محنة كبرى، متفرعة عن المحنة العظمى التي تعيشها اللغة العربية. فأكثر الناس لا يستمتع بسماع الشعر الفصيح، لأنه غريب عليه، لا يعرف أسراره ومراميه.
¥