**إما عن استخدام تفعيلة " فاعل" -باعتبارها تفعيلة تامة ومستقلة -في حشو الأبيات الخببية .... فهو لا يطرح إلا نمطا شاذا و دخيلا على الشعر العربي فحسب , دون أن يقدم الأطروحة الفذة ,التي تصورها من حاولوا إلحاق هذه التفعيلة بتفعيلات الشعر المعروفة ... فهو إنما ناجم عن قراءات عروضية خاطئة بمنظور خاص -وخاطىء - للأبيات الخببية ليس إلا
**والحجة الأولى والرئيسية التي تسقط إمكانية وجود هذه التفعيلة في بحر الخبب هي:
فرضية تعاقب هذه التفعيلة " فاعلُ " و تفعيلة " فَعِلُن " (المتحرك عين التفعيلة) في أثناء بحر الخبب , وبالتالي تعاقب خمس متحركات (عِ لُ فَ عِ لُ) وهو ما يضرب بمسلمات العروض – التي لا تجيز تعاقب أكثر من ثلاث متحركات – عرض الحائط
**وقد كانت أشهر المحاولات الهادفة إلى إقحام تفعيلة " فاعل" الشاذة في الشعر العربي:-
1 - محاولة استخراج أو استنباط التفعيلة من أبيات الشعراء السابقين , مثل أمير الشعراء أحمد شوقي
كما في قوله:-
نتخذ الشمس لها تاجا .... وضحاها عرشا وهاجا
وقوله:-
جارٍ ويُرى ليس بجارِ = لأناة فيه ووقارِ
وقوله:-
نبتدر الخير ونستبق = ما يرضى الخالق والخلق
وقوله:-
لا تقدر غير الله يدٌ = لا أذنَ الله تهدده
2 - أما المحاولة الثانية , فقد تمثلت في ادعاء نازك الملائكة لأسبقيتها في ابتكار واستخدام تفعيلة " فاعل" في شعرها , كما في قولها:-
كان المغرب لون ذبيح = والأفق كآبة مجروح
**وكي ندحض هذا الادعاء , فعلينا أولا أن:
نبدأ بتقطيع الأبيات السالفة الذكر , مع مجاراتنا للنهج الشاذ الذي أقحم من خلاله تفعيلة "فاعل" في بحر الخبب
ففي قول شوقي:-
نتخذ الشمس لها تاجا .... وضحاها عرشا وهاجا
يكون التقطيع الشاذ على النحو التالي:-
نتخ/ ذ الشم/س لها / تاجا .... وضحا/ها عر/شا وهْ/هَاجا
"فاعل" / فعْلن / فعِلن / فعْلن .... فعِلن / فعْلن / فعْلن / فعْلن
وفي قوله
جارٍ ويُرى ليس بجارِ ..... لأناة فيه ووقارِ
يكون التقطيع الشاذ على النحو التالي:-
جارٍ /ويُرى/ ليس ب/جارِ ..... لأنا/ ة في/ه وو/قارِ
فعْلن / فعِلن / "فاعل" / فعلِ .... فعِلن / فعْلن / "فاعل" / فعلِ
وفي قوله:-
نبتدر الخير ونستبق ..... ما يرضى الخالق والخلق
يكون التقطيع الشاذ على النحو التالي:-
نبتد / ر الخي/ر ونس/تبقُ ..... ما ير/ضى الخا/لق وال/خلق
"فاعل" / فعْلن / فعِلن / فعلُ ...... فعْلن / فعِلن / فعِلن / فعْلُ
وفي قوله:-
لا تقدر غير الله يدٌ ..... لا أذنَ الله تهدده
يكون التقطيع الشاذ على النحو التالي:-
لا تق/در غير/ ر الل/ه يدٌ ...... لا أذ /نَ الل/ـه تهدْ/دِده
فعْلن / فعِلن / فعْلن / فعِلن ..... "فاعل"/ فعْلن / فعِلن / فعِلن
وفي قول نازك الملائكة:-
كان المغرب لون ذبيح ِ ...... والأفق كآبة مجروجِ
كان ال/مغرب/ لون ذ/ بيح ...... والأف/ق كآ/بة مج/روح
فعْلن/ فاعِلُ/فاعِلُ/فعْلن ...... فعْلن/فَعِلُنْ/فَعِلُنْ/ فَعْلُنْ
ثم نلحظ في مثل هذا النهج القائم على استخدام تفعيلة "فاعل" بصورة مقحمة في حشو الأبيات .. ما يلي:-
1 - عدم التجانس ما بين شطري كل بيت , من حيث نوع وعدد التفعيلات وموقعها في الشطر , وهو الأمر المخالف تماما للدارج و المثبت في كل بحور الشعر منذ كانت ومنذ اكتشفها الفراهيدي
2 - عدم التجانس في الشطر الواحد "- الذي يظهر فيه تفعيلة "فاعل" -ما بين التفعيلات وبعضها وذلك لوجود دخيل – هو تفعيلة " فاعل" - والذي لا يمكن إحالته من أو إلى تفعيلة البحر الأصلية " فعلن " باستخدام أيّ من الزحافات المتاحة
3 – وقوع تفعيلة "فاعلن " بشكل مقبوض في حشو الأبيات , وهو الأمر الخارج عن المألوف لهذه التفعيلة كما تنص الثوابت المدونة في علم العروض وفي قواعد الزحاف , وبالتالي لا يمكن حتى اعتبار " فاعلُ " هنا , شكلا مقبوضاً لتفعيلة " فاعلن " لمنحه نوعا – ولو جزئيا – من المصداقية العروضية
ولهذه الأسباب نخلص إلى أن هذه التفعيلة – "فاعل ":-
1 - إنما هي تفعيلة دخيلة وشاذة عن المتفق عليه من تفعيلات بحور الشعر
2 - كما أنها تسبب ارتباكاً – نظريا فقط – للشكل العروضي للأبيات عند تقطيعها
¥