والأصل الرابع: البَرَم، (وأطيبُها ريحا) بَرَمُ السَّلَم، وأخْبَثُها ريحاً بَرَمَةُ العُرْفُط، وهي بيضاءُ كبَرَمَةِ الآس. قال أبو زياد: البَرَمَةُ الزَّهرةُ التي تخرج فيها الحُبْلة. أبو الخطّاب: البَرَم أيضاً حُبوبُ العِنَب إذا زادَتْ على الزَّمَعِ، أمثال رُءُوس الذّرّ.
وشذّ عن هذِهِ الأصول البُرَام، وهو القُرَاد الكبير، تقول العرب: «هو أَلْزَقُ مِنْ بُرام»؛ وكذلك البُرْمة، وهي القِدْر.
والظاهر أن الأمر بخلاف ما قال ابن فارس لأن هذه المعاني راجعة إلى أصل واحد وهو اللف والبرم. فالغرض هو الشعور بعصر في الجوف، وبرم الشجر لأن زهرته مبرومة، واختلاف اللونين لأن الحبل يلف منمن شريختين مختلفتي اللون.
جدر الجيم والدال والراء أصلان.
فالأوَّل الجِدار، وهو الحائط وجمعه جُدُر وَجُدْران، وَالجَدْرُ أصل الحائط، ومنه الجَديرة، شيءٌ يُجْعَل للغنم كالحظيرة. ومن هذا الباب قولهم هو جديرٌ بكذا، أي حريٌّ به، وهو مما ينبغي أن يثبت ويبني أمرَه عليه. ويقولون: الجديرة الطبيعة.
والأصل الثاني ظُهور الشيء، نباتاً وغيره. فالجُدرِيّ معروف، وهو الجَدَرِيُّ أيضاً. وَالجَدَر سِلْعَةٌ تظهر في الجَسَد، وَالجَدْر النبات، يقال: أجْدَرَ المكانُ وَجَدَرَ، إذا ظهر نباته.
وَالجَدْرُ: أثر الكَدْمِ بعُنق الحمار، وإنما يكون من هذا القياس لأنَّ ذلك يَنْتَأُ له جلدُه، فكأنَّه الجُدَرِيّ.
جرح الجيم والراء والحاء أصلان: أحدهما الكسب، والثاني شَقّ الجِلْد.
فالأوّل قولهم (اجترح) إذا عمل وكَسَب؛ قال الله عزّ وجلّ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} (الجاثية21)؛ وإنّما سُمّي ذلك اجتراحاً لأنه عَمَلٌ بالجوَارح، وهي الأعضاء الكواسب. وَالجوارحُ من الطَّير والسباع: ذَوَاتُ الصَّيد.
وأما الآخَر (فقولهم) جرحَه بحديدةٍ جرْحاً، والاسم الجُرْح. ويقال جرَح الشاهدَ إذا ردّ قولَه بِنَثاً غيرِ جميل، وَاستَجْرَحَ فلانٌ إذا عمل ما يُجْرَح من أجله.
عوي العين والواو والياء: أصلٌ صحيح يدلُّ على ليّ في الشىء وعطْفٍ له.
قال الخليل: عَوَيت الحبلَ عَيًّا إذا لويتَه، وعَوَيت رأس النّاقة، إذا عُجْتَه فانعوى، والناقة تَعْوِي بُرَتَها في سَيرها، إذا لوَتْها بخَطْمها، وتقول للرّجُل إذا دعا النّاسَ إلى الفتنة: عوى قومًا، واستعوى. فأمَّا عُوَاء الكلب وغيرِه من السباع فقريبٌ من هذا، لأنّه يَلوِيه عن طريق النَّبْح: يقال عَوَتِ السّباع تَعوِي عُواءً؛ وأمّا الكَلْبة المستحرِمة فإنَّها تسمَّى المعاوِيَة، وذلك من العُواء أيضًا، كأنَّها مُفاعلة منه. والعَوَّاء: نجمٌ في السماء، يؤنّث، يقال لها: «عوّاء البَرْد»، إذا طلعت جاءت بالبرد، وليس ببعيد أن تكون مشتقَّةً من العُواء أيضًا، لأنّها تأتي ببردٍ تعوي له الكلاب؛ ويقولون في أسجاعهم: «إذا طلعت العَوَّاء، جَثَمَ الشتاء، وطابَ الصّلاء»، وهي في هذا السَّجع ممدودة، وهي تمدُّ وتقصر. ويقولون على معنى الاستعارة لسافِلَة الإنسان: العَوَّاء.
ويبدو لنا أن ما قرره ابن فارس من أن عوى الذئب مأخوذ من معنى لوى ليس صحيحا لأنه من الكلمات المحاكية لمعناه أي لصوت الذئب، لأنه يخيل إلينا أن صوته (عووووو).
برق الباء والراء والقاف تعود إلى أصلين أحدهما اللمعان والآخر شئ به نقط بيض وسود. والواقع أن هذا أصل واحد وليس كما زعم. والذي يظهر لنا أنهما يعودان إلى أصل واحد لأن اجتماع البياض والسواد يؤدي إلى حدوث ما يشبه البريق لتداخل اللونين كما يتداخل النور والظلام.
ما جاء من كلام العرب على أكثَر من ثلاثة أحرف
اعلم أنّ للرُّباعيّ والخُماسيّ مذهباً في القياس، يَستنبِطه النَّظرُ الدَّقيق. وذلك أنّ أكثر ما تراه منه منحوتٌ، ومعنى النَّحت أن تُؤخَذَ كلمتان وتُنْحَتَ منهما كلمةٌ تكون آخذةً منهما جميعاً بحَظَ. والأصل في ذلك ما ذكره الخليل من قولهم حَيْعَلَ الرَّجُل، إذا قالَ حَيَّ عَلى.
ومن الشيءِ الذي كأنَّه متَّفَقٌ عليه قولهم عَبْشَمّى من عبد شمس.
فعلى هذا الأصل بَنَيْنَا ما ذكرناه من مقاييس الرُّباعي، فنقول: إنَّ ذلك على ضربين: أحدهما المنحوت الذي ذكرناه، والضَّرْب الآخر (الموضوع) وضعاً لا مجالَ له في طُرق القياس، وسنبيِّن ذلك بعَون الله.
¥