وأمَّا البِنَاء العَرَبيّ "الصَّرْفي"، فليس شَرْطَاً للتَّعْريِب، ويَرَى سيبويه أنَّ التَّغْيِير قد يَحْدَث أو لا يَحْدَث، قال: " فَرُبَّما أَلْحَقُوه" أيْ الَّلفْظ المُعَرَّب ببناء كلامهم، "ورُبَّمَا لم يُلْحِقُوه". ويُفْهَم من قَوْل سيبويه أنَّ للعرب طَريقَتين في إدْخَال الكَلِمَة إلى اللغة العَرَبِيَّة: الأُولَى: التَّصَرُّف والإِلحاق بأَبْنِيَة العَرَبِيَّة المَعْرُوفَة، والثَّانِية: عدم التَّصَرُّف وإبقاءُ الاسم على حاله التي جاء عليها في لغته الأصليَّة.
وأمَّا الجوهري (ت393هـ) فيُعَرِّف التَّعْريِب بقوله: " تَعْرِيب الاسم الأَعْجَمِيّ أنْ تَتَفَوَّه به العَرَب على مِنْهاجِها، نقول عَرَّبَتْه العَرَب، وأَعْرَبَتْه أيْضَاً (). أيّ أنَّه يَعْنِي ذلك النَّوْع الذي تصرفت فيه العَرَبِيَّة وألحقته بألفاظها.
ويوضح الزَّمَخْشَريُ (ت 538هـ) رأيه بقوله: "إِنَّ مَعْنَى التَّعْريِب أنْ يُجْعَل عَرَبِيَّاً بالتَّصَرُّف فيه، وتغيّره عن مِنْهَاجِه وإجْرَائِه على وَجْه الإِعْرَاب (). وهو ما قال به سيبويه.
وقال الجَواليقيّ (ت540 هـ): مُعَرِّفَاً التَّعْريِب " ما تَكَلَّمَت العَرَب من الكلام الأَعْجَمِيّ ونَطَقَ به القُرْآن المَجيد، وَوَرَدَ في أخبار الرسول (صلَّى الله عليه وسلم) والصَّحابة والتَّابعين، وذَكَرَتْه العَرَب في أشعارها؛ ليُعْرَف الدَّخيل من الصَّريح" () مثل كلمة " كُرْبَج " وبَعْضهم يقول " قُرْبَق " كقول سالم بن قُحْفَان: ()
ما شَرِبَتْ بعدَ طَوِيِّ القُرْبَقِ =مِنْ شَرْبَةٍ غير النَّجاءِ الأدفَقِ
ومنه كلمة " البَاج"، وأول من تَكلَّم بهذه الكَلِمَة عثمان بن عفان، تقول: اجعله بَأْجاً واحداً، أَيْ لوناً واحداً. ()
وقال الفَيُّومِيّ (ت 770هـ): "والاسم المُعَرَّب الذي نقلته العَرَب من العَجَم نكرة نحو: إِبْرَيْسَم، ثُمَّ ما أَمْكَن حَمْله على نَظيرِه من الأبْنِيَة العَرَبِيَّة حَمَلوه عليه، ورُبَّمَا لم يَحْملوه على نظيره، بل تَكَلَّمُوا به كما تَلَقُّوه ورُبَّمَا تلعَّبوا به فَاشْتَقُّوا منه، وإن تَلَقُّوه عَلَماً فليس بمُعرَّب" ().
ويُعرِّف السيوطي (ت 911هـ) التَّعْريِب بقوله " المُعَرَّب: هو ما استعملته العَرَب من الأَلْفَاظ المَوْضُوعَة لمَعَانٍ في غَيْر لُغتها " (). وهذا التّعْريف عام يَشْتَمل النوعين اللذين ذكرهما سيبويه.
وعَرَّفه الشهاب الخفاجيّ (ت 1069هـ) قال: " التَّعْريِب نَقْل الَّلفْظَة من العُجْمَة إلى العَرَبِيَّة، والمشهور فيه التَّعْريِب" (). ويُلحَظ على هذا التّعْريف تركيزه على الاصطلاح (التَّعْريِب).
وجُمْلَة القَوْل: أنَّ التّعريفات السَّابقَة للتَّعريب أَجْمَعَتْ على وَصفِ التَّعْريِب من النَّاحِيَة العَمَليَّة، ولكنهم من حيث اشتراط الوَزْن العَرَبيّ، انقسموا إلى فريقين: مُتَشدِّد ومُتَساهل ويُمَثِّلُ الفريق الأوَّل الجوهري، الذي اشترط الوَزْن العَرَبيّ للمُعَرَّب، وغير ذلك لا يُعَدُّ مُعَرَّباً، وأمَّا الفريق الثَّانِي، فيُمَثله سيبويه والجواليقي والفيومي والخفاجي، الذين يَرَوْن أنَّ كل ما تَكَلَّمَت به العَرَب من الكلام الأَعْجَمِيّ هو مُعَرَّب، ولم يشترطوا التَّغْيِير والاشتقاق والصَّّقل، وأمَّا السيوطي فالمُعَرَّب عنده، ما اسْتَعْمَلَه العَرَب لمعان من غير لُغَة العَرَب. وهذا يعني أنْ اشتَراطَ الوَزْن العَرَبيّ في المُعَرَّب، لم يكن مَحلَّ اتفاقِ الُّلغَوِيين القُدَامى.
1
-2 مَفْهُوم المُعَرَّب عند المُحْدَثِين
قال بُطْرُس البُستاني (ت 1300هـ) في مَعْنَى المُعَرَّب: "والمُعَرَّب اسم مَفْعُول من عَرَّب، وعند أهل العَرَبِيَّة لفظ وَضَعَهُ غَيْرُ العَرَب، واستعمله العَرَب بِنَاءً على ذلك الوَضْع، يُقَال: لفظ مُعَرَّب، و كلمة مُعَرَّبَة" ().
فالبُستانيُّ لم يأتِ بالتَّعريف الشَّامل والوافي للمُعرَّب، إذ قَصَرَ التّعْريف على لفظٍ وضَعَه غير العَرَب واستعمله العَرَب بِنَاءً على ما وضع له، وفي هذا التعريف إجمال للمُعَرَّب والدَّخيل، ذلك أنَّه لم يَذكُر النَّاحِيَة الصرفيَّة في المُعَرَّب.
¥