[قصة قصيرة كتبتها قبل عام في احداث حرب لبنان]
ـ[بسام طه]ــــــــ[01 - 08 - 2007, 11:11 م]ـ
لقد كتبت هذه القصة قبل عام في احداث المجزرة البشعة التي ارتكبت بحق الاطفال ومما لفت انتباهي وجود خروف كان يقف بجوار المنزل الذي استهدف وكانت جثث الشهداء تمر امامه وكان يشاهدها.
ارجو كتابة اي ملاحظة أو تعليق.
مع الشكر
خروف قانا
بانتظار دائم وساعات كأنها الدهر بأكمله، انتظر محمود خبر أول طفل ينعم الله به عليه، بدأ ذلك النهار بصراخ زوجته من الم المخاض فمن الفرحة العارمة التي زادت من دقات قلب محمود، لم يعرف ماذا يفعل أو يصنع، أسرع كالبرق إلى الهاتف طلبا لخدمة الإسعاف، أخطأ في الرقم مرة ومرتين وأخيرا استطاع الوصول إلى خدمة الإسعاف"أسرعوا جميلة ستلد لا تتأخروا ... ".
وقف محمود أمام غرفة العمليات، وكلما دخل طبيب أو خرجت ممرضة يسألهم ما أخبار جميلة؟ ماذا أنجبت؟ ولدا أم بنتا؟!.
وهو في تلك الحيرة الكبيرة تسرب إلى إذنيه صوت بكاء بالكاد يسمع، وبدء الصوت يعلو ويرتفع حتى شعر محمود بأن الصوت يملأ الكون كله، انه صوت طفله الأول.
وخرج الطبيب منهكا من عملية الولادة ولكن الابتسامة التي رسمها الطفل على وجهه منعت أي ظهور للتعب أو الإرهاق، واستقبله محمود بكل حيرة يعلوها الفرح، أخبرني يا دكتور، ما أخبار جميلة؟ ماذا ولدت؟ ربما تكون هذه الأسئلة سهلة على أي إنسان أن ينطق بها أمّا محمود فقد احتاج إلى قوة عظيمة لإخراجها من بين شفتيه، وأتى جواب الطبيب سريعا ومختصرا، ولكن يحمل في طياته الفرحة العظيمة التي انتظرها محمود ..... مبروك يا محمود لقد رزقك الله بطفلة ... ادخل فإن جميلة بانتظارك وكذلك الطفلة ... ولكن إياك أن تنسى الحلوى قبل المغادرة.
لك ذلك إن شاء الله.
نظر محمود إلى الطفلة ونسي أمها، نظر إليها وكأن العالم أُجمع بكل جماله على وجه هذه الطفلة، حملها محمود وكأنه حمل الدنيا بأسرها، نظر إلى عينيها فرأى فيها مستقبلها، شاهدها وهي تكبر كل يوم، رآها وهي تدخل المدرسة وتحمل حقيبتها لأول مرة، رآها وهي تدخل الجامعة وتتخرج طبيبة تعمل في ضيعتها تعالج الناس دون مقابل، شاهدها وهي ترتفع على البساط الأحمر لتزف إلى قصر الزوجية، ولكن بنداء من جميلة انتبه انه لا زال يحمل ابنته بين يديه التي لم يطلق عليها اسما بعد، وتوقف ذلك الشريط الجميل الذي عبر من عيون ابنته إلى أعوام لم تأت ِ بعد، التفت إلى جميلة ونظر إليها نظرة تحمل الدفء والحب، الحمد لله على السلامة يا جميلة، وأخيرا رُزقنا بابنتنا، انظري إليها إنها صورة صغرى عنك يا جميلة، فضحكت جميلة حتى نسيت ألم المخاض. أخبرني يا محمود ماذا سنسميها، لقد سألتِ عن شيء عظيم، أي الأسماء التي تستحقها هذه الطفلة؟ ما رأيكَ بزينب؟ اسم جميل ولكن لنفكر باسم آخر، ما رأيك ِ بزهرة؟
اسم رائع، ربما ستكون هذه الزهرة شجرة من الزهور بعد أن تكبر، إذن على بركة الله .. ، زهرة هيا اذهبي إلى أمك وساعديها في طهي الطعام، تمهل يا محمود لم ترضع زهرة حتى الآن.
اصطف أطفال الضيعة على قارعة الطريق يرمقون النظرات إلى زهرة والتي تحتضنها أمها في السيارة بعد أن عادت من المشفى واخذ الأطفال يتهامسون فيما بينهم انظروا إليها ستصبح صديقتنا وسنلعب معها كل صباح ومساء.
قال لهم علي: غدا سيتم ذبح الخروف إكراما لزهرة، ذلك الخروف الذي اشتراه خالي محمود قبل أربعة أشهر يا علي؟ نعم هو يا حسن.
أجل يا علي، ولكن تعبنا ونحن نحضر له الطعام والماء، فمن سنطعم غدا؟ وأي خروف سنأخذ إلى الجبل وهو الوحيد الذي اشتراه خالي محمود؟
لكن يا حسن ألا تعلم بأن خالي محمود اشتراه حتى يضحي به عندما تلد امرأة خالي.
اجل يا علي ولكن ما ذنب هذا الخروف المسكين حتى تمر السكين في رقبته ويخرج الدم من جسده؟ قاطعه شادي قائلا: ما بك يا حسن ألهذه الدرجة أنت حزين عليه؟
وفي خضم هذا الجدل بين هؤلاء الصغار المقبلين على الحياة، قاطعهم صوت محمود وهو يناديهم: يا أولاد تعالوا إلى هنا وتناولوا الحلوى، فتسابق الأطفال إليه وكأنهم في سباق لنيل الدرجة الأولى في السباق، وأخذ كل واحد نصيبه منها.
¥