[من دفتر يومياتي 3 - الترمومتر]
ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[11 - 07 - 2007, 10:33 م]ـ
الترمومتر
وكعادتي خرجت بعد المغرب إلى السوق دون أن يكون لدي غرض محدد , أحيانا أجد ما لا أدري أنني أريده وأحيانا أعود كما ذهبت , وعلى غير عادتي أخذت هاتفي معي , فلدي سياسة تقتضي عدم حمل الهاتف عند الذهاب إلى السوق فربما ذهبت لأشتري غرضا بعشرة وبسبب الهاتف أشتري بخمس مئين ..
دخلت الصيدلية فربما وجدت ما لا أدري أنني أريده , أعواد خلال , فرشاة , مرطب للحلق , ...... الخ
سمعت صوت تنتنة ضعيف وأنا أتكلم مع الصيدلي , فصمت برهة ثم عدت إلى حواري مع الصيدلي ثم انتبهت , إنه هاتفي , وإنها نغمة مخصصة لرقم البيت ,
- السلام عليكم
- وعليكم السلام
- أين أنت؟
- بعد تردد: أنا في السوق
- رائع كنت أريد شيئا من الصيدلية
- فأنا في الصيدلية ماذا أردتم , وبعد أن قلبت في رأسي الاحتمالات تفاجأت بالرد
- أريد ترمومترا
- حسنا
- شكرا ......... السلام عليكم
- وعليكم السلام
أخبرت الرجل بمرادي فقال لي: أتريد واحدا إليكترونيا؟ فقلت: نعم بعد أن تذكرت أنني سأحتاج طبيب عيون لمجرد محاولتي قراءة قياسات العادي.
أحضر لي نوعا غاليا يوضع في الأذن فرفضته , فأحضر لي آخر عن طريق الفم والإبط والأهم من ذلك سعره أكثر من معقول فأخذته فورا وعدت إلى منزلي لا تسعني الأرض من الغرور ....
وبدأت عندها مرحلة التجارب الأولية , ثم بعد أن أجيز استعمال مقياسي وحصل على رخصة بدأت التجارب الفعلية ....
- يا أبا وسن
- لبيك يا أمها
- حرارة بنتك منخفضة
- وكيف ذاك؟
- المقياس يقول أنها 36,8
- للمكيف عُشران يا امرأة
ثم عدت إلى القراءة , وعاد الصوت
- أبا وسن
- يا لبيك
- مكتوب في النشرة الإرشادية أن القراءة عن طريق الفم تعطي نتائج أدق
- هذا يفسر ذهاب العُشرين
- سأجرب عن طريق الفم
- بالتوفيق
- أبا وسن
- يا نعم
- أمسك البنت لأضعه في فيها
- ضعيه بنفسك
- لا بد أن يظل في فمها دقيقة كاملة لتكون القراءة أدق
رميت كتابي وأمسكت البنت بعد مناورات طويلة
وفور انتهاء الدقيقة أطلق الجهاز صوتا إيذانا بحلول وقت قراءة النتيجة فعدت إلى كتابي
- أبا وسن
- نعمين يا امرأة
- حرارة البنت مرتفعة انظر للنتيجة 37,2
وبعد جهد وشرح أقنعتها دون علم مني أن هذا أمر عادي
وفي اليوم التالي على الغداء وأنا أفكر كيف ستصبح سمكة الهامور بعد أن أقول الحمد لله , دار حوار
- تصدق يا أبا وسن أن هذا الترمومتر ليس دقيقا؟
- وكيف عرفت ذلك؟
- تخيل جربته قبل قليل على نفسي وكانت النتيجة 36,4
- وهل تعلمين أنت أنك ماهرة في شي السمك بعد حشوه بالبهارات
- سمعت أن هناك جهازا أفضل يعطي نتائج أفضل وبسرعة , كل ما عليك هو وضع طرفه في الأذن وبعد خمس ثوان!!!!
- هل تقصدين الترمومتر الذي يستخدم في المستشفيات الخاصة؟
- نعم نعم, وقد سمعت أنه متوفر في الصيدليات
- لكنني سمعت أن له أضرارا مع كثرة استخدامه خاصة على الأطفال
- غير صحيح , فهو مستخدم في المصحات
- أعرف ذلك ولكن وجوده في المنزل يعني كثرة استخدامه وكثرة استخدامه تعني كثرة تعرض البنت لذبذباته
- أية ذبذبات؟
- ألا تعلمين أنه يعمل معتمدا على ذبذبات كهرومغناطيسية وموجات تحت صوتية قد تؤذي الطفلة؟
فسمعت همسا فهمت منه ((أن الذبذبات ستؤذي جيبي)) فتجاهلت وقمت عازما على أن أرمي هذا الترمومتر لأسلم من صداع القياسات .....
دائما ما كنت أسمع ليلا حوارا دافئا بين أم وبنتها
هيا يا حبيبتي هيا لتنامي يحرسك الله لكن يجب أولا أن نطمئن على حرارتك ثم نضعك في المهد وتهزه لك ماما وتقرأ لك المعوذات وتغني لك يا عمري ...
ثم يسري لحن تطرب له أركان الدار لحن كنت أسمعه من أمي , لحن لا يتقنه غير الأمهات توارثنه من حنان الأمومة الأزلي ...
بعد فترة نسي هذا الجهاز في علبة الإسعافات الأولية وانتهت معه قلاقل القياسات
وفي ليلة أيقظني صوت مفجوع
- البنت حرارتها مرتفعة , فقلت دون وعي:
- هذا الترمومتر غير دقيق
- لم أستخدم الترمومتر لكنني لمستها وأظنها أكثر من 39
- فأضأت النور ونظرت إلى البنت في مهدها وتحسست جبينها فعرفت فورا أن البنت مريضة , وترمومتر إحساس الأم لا يخطئ
وضعتها أمها بجانبها ووضعت على جبينها كمادات الماء البارد
نظرت إلى البنت وداعبتها فلم أر غير نظرة سقيمة ولم أسمع غير أنين خافت , أحضرت بعض ألعابها فلم تعجبها , أحضرت دفتري الذي طالما أنقذته منها , فلم تلفت إليه ..
وضعت يدها في شعري لتشده وتضحك كعادتها , أعطيتها أصبعي لتعضه بسنها الصغير., تمنيت في تلك اللحظة أنها تقطع دفاتري لتصبح كل قطعة لا تتسع لحرف واحد , وتنثر علبة أقلامي ليصبح أقربها مني في ديار بكر , وتضرب بهاتفي الأرض لتعجز مصانع الدنيا عن تجميعه , المهم أن تضحك
كم كنت أسمع عن حب الأولاد ولم أفهمه إلا الآن
وبعد علاج وتكميد نمت مرهقا لأستيقظ على خربشة في ظهري وصوت يناغي (بابا) وصوت آخر لم ينم قط يبشرني أن قراءة الترمومتر تقول أن حرارة البنت 37 درجة
أبو عريش 24/ 6 / 1428 هـ
¥