وشموخه ,," مسعود " لماذا يا أبي لا نذهب لنتحسس بأنفسنا ذلك لعلنا نستقر على إذا ما كان هذا النخل شامي أو قد لقح حديثا ,, " مسعود " حسنًا سنفعل إن شاء الله ,, لكن أنا الآن في إشكال حول أقدمية المكان وهل هو لأهل الأندلس أم لاسبانيا الحديثة؟ ,, أما تأخر القطار يا معاذا,," نعم يا أبي تأخر كثيراً لكن على أي حال دعه يتأخر فأنا معجبٌ جداً بهذا المكان ,, الهواء الطير المارة السكون الكل يأخذني إلى عالم ليس موجوداً إلا في خيالنا فقط ,, عالمٌ غريب الأطوار يا أبتي يهزني من الداخل ,, " مسعود " أتدري يا معاذ,, لبيك يا أبتي ,,, كم كُنت أتمنى أن أكون أنا ابن زيدون .. " معاذ " يبتسم ويضحك معاً فتُلفت ضحكته وتوقظ فؤاد المقعد المجاور ,, مقعد نيسان وسلسبيل ,, أبي حسنًا أنتَ ابن زيدون وأنا الولادة فقل فيَّ شعراً ,, ها قد أتتك الفرصة فاغتنمها ,, " مسعود " يزجر ابنه وكأنه يشر عليه بالهدوء فقد جعل نفسه أضحوكة إثر وقوفه على طرف المقعد مما آثار دهشة نيسان وسلسبيل أكثر ,,
"سلسبيل",, مابه هذا المجنون يا أمي ,," نيسان " لا يابنتي هو ليسَ مجنوناً هو شابٌ يريد العيش كما تعيش الطيور ,, " سلسبيل " كما تعيش الطيور عجيبٌ هذا الأمر يا أمي ,, " نيسان " وما العجيب فيه ,," سلسبيل " العجيب أنك مرة حين رأيتِ مني مثل هذا الفعل شططتِ وصار قولك حاداً ,, حتى توقفتُ وعدتُ عن جنوني خشية ارتفاع ضغط الدم لديك؟ ,, " نيسان " ,, تضحك بوجها الصبوح الذي ما غيرته الشيخوخة إلا قليلاً من تجاعيد الرقبة إلا أن الوجه كما الشمس منذ أن خلقت كذا نيسان منذ أن ولدت ,, يابنيتي نحن معشر النساء قد ولدن طيوراً تماما كما الرجال لكنّ الفرق الذي بيننا وبينهم ,,, أن العصافير نوعين ,, نوعٌ يظل في الوكر يرعى مصالحه وتنظيمه وتجهيز الطعام والعيش كما يريد وحين يريد طيرانا يطير حوله فيعود سريعاً لأن الأمان في خارج الوكر محفوف بالمخاطر بعض الشىء ,, ونوعٌ آخر يخرج من الوكر يطير ويطير فيعود ولايعود قد يُحَارَب وقد لا يُحَارَب قد يُحارِب وقد لا يُجارِب قد يجني الرزق وقد لا يجنيه ,, فانظري إيُّ نوعٍ هو ,, وأي قدرة يجب أن يظهرها وأي حرية يجب أن تتاح له من قبل رب السماء,, هكذا معشر الرجال والنساء,,هم يفعلون جل ما يريدون وأحياناً كله لأن لديهم ما يُمكِّنهم من ذلك ,, أما النساء فهن قد يفعلن هذا كله في اتحاد الذات الذي بداخلهن مع ذات الرجل ,," سلسبيل " وكيف هذا يا أماه قد زدتِ الأمور تعقيداً وابنتك لا تستوعب هذا كله أنتِ تعرفين أنا ما تعمقت في الكتب التي كتبت بالعربية كثيراً بسبب تفوق الأسبانية عندي على العربية لهذا ما ألممتُ بحكمة العرب ونوادرهم فأوضحي لي أكثر ,, " نيسان " حسنا استمعي جيداً ألا يكفيك يا سلسبيل على سبيل المثال حين تتزوجي ,,وحين يعود زوجك من العمل فيقول لك ,, طوال الوقت يا عزيزتي تلوحين لي وأنا في العمل في الشارع في الحافلة في صور المارة فأنادي عليك أيها المارون أنتم حبيبتي جميعكم حبيبتي ,, فتشاركيه الحديث وتقولين له أوكيف يا عزيزي ,, ولأنه ليس شاعرٌ ولكن يدفعه لقول الشعر حبه الذي يحمله ويكنّه لكِ فيقول مقتبساً شعرغيره ,, ليجعل من ليلك نهارا ,, ومن نهارك ليلا ,, أريدك أعرف أني أريد المُحال ,, وأنكِ فوق ادّعاء المُحال ,, وأنكِ أطيب مافي الطيوب ,, وأجمل ما في الجمال ,, أريدك أعلم أنَّ النجومَ أروم ,, ودون هوانا تقوم تخوم ,, طوال طوال ,, كلون المحال ,, كرجع المواويل بين الجبال ,, لكن على الرغم مما هو ,, وأسطورة الجاه والمستوى ,, أجوب عليك الذرى والتلال وأفتح عنك عيون الكوى ,, وأمشي لعلي ذات زوال أراك على شقرة الملتوى ,, ويوم تلوحين لي ,,على لوحة المغرب المخملي ,, تباشير شال ,, يجرُّ نجوماً ,, يجرُّ كروماً ,, يجرُّ تلال ,, سأعرف أنكِ أصبحتِ لي وأني لامستُ حدود المحال ,,. وبهذا يا سلسبيل تتم المعادلة التي أرّقتك وجعلتك تثورين على ما لم أوافقك عليه من ذي قبل ,, والذي قد أحياه عندك هذا الشاب الثائر ,, فأنتِ تمرحين وتضحكين وتبكين وتثورين وتطيرين ,, ولكن في ذات غيرك ,, كما الرجل تماما يجد في كيانك مأمنه ومكمنه وعالمه الذي لطالما حلم به وأراد الاستقرار فيه أبدا ,, وبين ذلك وتلك معادلة الحياة وبناءًا عليه توزعُ أدوارنا نحن أبناء وبنات آدم ,, " سلسبيل " إن كان هذا حقاً وأنه سوف يسمعني شعراً جميلاً كهذا فأنا لستُ معترضة بل سألتزم الوكر دوما ولن أبتعد عنه ولو أدى هذا لعدم طيراني حتى وإن شاخا جناحيّا فلن أطير ولن أبتعد عنه قيد أنملة ,, أمي ماله هذا القطار قد تأخر كثيراً وكثيراً وكثيرا ,, " نيسان " هو لم يتأخر يا عزيزتي وسيأتي في ميعاده المحدد لنا في خانة القدر ,, فقدرنا أن نجلس ونتكلم ونعلق على غيرنا وقدرنا أن يأتي القطار في ميعاد غير الذي نريد لأننا لا يمكن أبداً أن نريد قدراً ونفصله بأمزجتنا بل بين ذلك وذاك يقع المراد ,,," سلسبيل " ما أنستك العيشة في مدريد أو قرطبة إرث جدي المصري وأمي المغربية ,, " نيسان " تضحك ثم تقول ,, هُما عربيان وأنا عربية ولسنا مثلك أيتها الأسبانية المتهورة ,, ها قد أتى قطارك الذي لطالما استعجلتيه لترحلي إلى البيت ,," سلسبيل " نعم يا أمي ولم لا أتعجل والغد هو آخر يوم لنا في قرطبة وسنعود لمدريد حيث ولادتي وذكريات طفولتي ,, " نيسان " وهل بتلك السهولة ستروح قرطبة من قلبك وعقلك هل أنتِ بهذا الشوق الكبير متلهفة للخروج منها والعودة لمدريد ألم تعطيك قرطبة شهادتك الجامعية أهذا جزاؤها ,, ألم أقل أنكِ أسبانية حقاً وما أخذتِ شيئاً عن أمُكِ قط ,, " سلسبيل " ,, يا أماه أمازحك فقط ,, فلا تكوني كالسيّاف عند إعدام امرىء قد إراد أن يفارقَ الحياة على يديه ,, لا يسمح حتى لمن تحت سيفه بشربة ماء ولا يريده حتى أن يقول كلمة واحدة ,, ولولا نطق الشهادتين لأغلق فمه ووضع عليه أقفالا ,, هيّا يا أمي قد أعلن السائق بصوته العالي أقصد صوت القطار العالي المزعج أنه سيتحرك ويذهب هيّا دعينا نرحل ..
حييتم وبورك فيكم ,, تتبع القصة وذلك من خلال أحداث اليوم الثاني ,, ولكن في وقت ثان لاحق قادم إن شاء الله.