تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[لماذا اليأس؟]

ـ[أبو منة]ــــــــ[24 - 06 - 2009, 08:01 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[لماذا اليأس؟]

قابلني هذا الشاب يوما مصوبا نظره إلي الأرض منكسا جبهته لا يدري أين يضع خطوته يمشي يجر وراءه هموما لا يعلمها إلا هو قد أثقلته الغموم وأرهقته ملمات الأمور تراه ساكنا خاضعا خاشعا يراجع دمعته بعد الحين والحين، فأردت ان أحمل عنه بعض همومه كي يقوي علي المسير فاوقفته ثم تحدثت معه وطلبت منه ان يرمي علي من أحزانه فامتنع ولم يتكلم واستعصي علي، فنظرت إلي عينيه المثقلتان بالدموع ونظر إلي ثم مسحت بيدي علي رأسه مسحة أردت بها أن أزيل عنه بعض الآلام والأحزان اللذان ارهقته وأتعبته فيستطيع أن يتحدث معي، فبدأت الحديث معه عندما شعرت أنه استعاد بعض قوته الهاربه وقلت له: ما الذي يقلقك؟

فأجاب بعد تردد: الهموم كثيرة وقد أعياني ضعف حيلتي وقوة مصيبتي. قلت له: مهما كانت قوة هذه المصيبة فأنت أقوي من ان تضعف أمامها هكذا وتستسلم لها بكل سهولة وقوتك تظهر عندما تبدأ عزيمتك وعزيمتك تبدأ عند معرقة بنفسك حق المعرفة وبقدرتك علي التحدي وعدم الخنوع والرضي بالهزيمة ثم ما الفائدة التي تنتظرها عندما تثقل نفسك بما لا تستطيع حمله هل هذا سيغير من الأمر شئ؟ هل ينكشف عنك الضر ويرتفع من عليك البلاء؟ قال: لا، قلت: إذا اعترافك بهذا يضع قدميك علي أول الطريق. قال: كيف قلت: ألإنسان عندما يبرز له علامات الطريق ينبغي عليه أن يلتزم بها ولا يحيد عنها وإلا رأي ما يسوؤه كما رأيتك منذ قليل إذا علمت علما يقينيا أن حملك للهموم والغموم والآلام والأحزان لا يغير من الأمر شئ بل ربما يضرك غاية الضرر ويوهنك ويذهب قواك وقدرتك علي التفكير السليم؛ فإن هذا يجعلك تنحي منحي آخر وتسلك طريقا آخر يخرجك من همومك وأحزانك؛ فإذا علمت ذلك جيدا فاعلم أيضا أن مواجهتك لمشكلتك هي الحل الوحيد الذي يخرجك مما أنت فيه وإياك واليأس فإن طريقه مظلم وسالكه لا يكاد ينجو، واعلم أنه مهما عظمت المشكلة في ناظريك فهي كبالون يفزعك منظره ويهيلك ضخامته وما هو إلا هواء إذا خلا منه ظهر البالون علي حقيقته وسقط علي الأرض يطأه الناس بأقدامهم فإنك إذا تعاملت مع أي مشكلة تواجهك من هذا المنطلق فإنك بلا ريب سوف تقدرها وتضعها في حجمها الحقيقي ومن ثم تستطيع مواجهتها وبدون حمل أي هموم ولا آلام ولا أحزان قال: ولكن أحيانا يعجز الإنسان ويعجز معه حيله ولا يستطيع أن يقف أمام الصعاب ولا يجد حينئذ حلا سوي الهروب أو الاستسلام. قلت العجزلا أري توصيفا له سوي الياس من رحمة الله، ثم لا يقال عن المرء أنه عاجز إلا بعد أن أعيته المحاولات أما أن يهيله الأمر ويفزعة الخطب ولا يتحرك خطوة واحدة نحو الأمام بل تراه واقفا في صفوف الجماهير يتفرج ويراقب من بعيد ولا يحرك ساكنا ولا يسكن متحركا ولا يجد في السعي عازما علي الخلاص أو تخفيف المصاب ثم يدعي العجز بعد ذلك، ولوسعي في إزالة ما ألم به لرأي انفراج الأمر شيئا فشيئا حتي ينفرج الأمر بالكلية "ولكنكم تستعجلون".ثم أتدري لماذا أمرنا الله بالصبر وليس ذلك فحسب بل رتب علي الجزع عقابا شديدا لانه جرت سنة الله تعالي أنه اذا نزل بالعبد شئ لايلبث أن ينزل بعده الفرج فلماذا اليأس والجزع والقنوط إذا كانت المصائب والمشاكل مسألة وقتية لا تلبث أن تزول، فعليك بالصبر والرضا بما قسمه الله لك وأن تنتظر فرج الله لك فإن فرج الله قريب، ثم اعلم ايه المسترشد أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة فإنما أوتينا من قبلنا وبما كسبت أيدينا وهذه حقيقية ربما تكون غائبة عن أذهان الكثيرين، نعم قد يكون الناس كل الناس بلا استثناء يعلمون تمام العلم أن الامور إنما هي من عند الله وبقدرمن الله فإن هذا معلوم لكن الذي يذهل عنه الناس إلا من سبقت إليه من الله الحسني أن يعتقدوا هذا الأمر بقلوبهم ويؤمنوا به إيمانا مترجما لا إيمانا صوريا كلاميا فإن هذا لا ينفعهم بل ربما يضرهم.

قال: معك حق لقد أزلت الغشاوة التي كانت علي بصري والران الذي كان علي قلبي، جزاك الله خيرا لقد فرجت عني.

قلت: لي وصية أخيرة فربما لا ألقاك بعد ذلك، إذا ألم بك عارض فافزع إلي ربك واقرع بابه واطلب منه بعد أن تتبرأ من حولك وطولك وقوتك أن يرفع عنك البلاء وتضرع إليه وابك بكاء حارا ومد يديك إليه ثم بالغ في رفعهما مع حضور القلب وخشوعه وأشرك معك جميع أعضائك لا تسثثني من ذلك شئيا واجعل ذلك كله في ركعتين تركعهما بليل ساعة تكون فيها وحدك لا يراك فيها أحدا سوي ربك تنفرد فيها به تنظر إليه بقبلك وينظر إليك برحمته حتي إذا حلت عليك السكينة ونزلت بك الرحمة وشعرت بعد طول تضرع والحاح في المسألة أن الله قد رضي عنك ورأي منك ما يفرحه بتجديد توبتك وعزمك علي سلوك درب الصالحين من بعد ستشعر بأن البلاء الذي هزك وأفزعك قد هان عليك وأن الدنيا بأطرافها لا تعني عندك شئ ثم تريث قليلا وستجد أن الأمر كأن لم يكن وإذا بك قد خرجت من ذلك كله فائزا حائزا رضا الرب قد قوي عزمك وازداد يقينك وما كان الأمر سوي درس في الصبر واليقين أراد الله أن يعلمك إياه كي يشتد ساعدك وتقوي عزيمتك علي خوض غمار الدنيا دون أن تهتز أو تقف أو يقلقك المصير الذي لا تعرفه.

كتبه:

أبو منة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير