[ليل طويل]
ـ[أم زينب]ــــــــ[08 - 08 - 2009, 01:29 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أول قصة كتبتها، كنت فتاة أشجّع الزواج الثاني فتخيّلت ذلك على نفسي وكتبت ما يمكن أن أشعر به، وكانت القصة في طي النسيان لكن قراءتي لقصة الأستاذ كرم مبارك (ولدي كم طال انتظاري) ذكرني بها .. (طبعا الفكرة هي التي ذكرتني وليس الأسلوب والعاطفة والخيال لأنني لم أبلغ ما بلغه الأستاذ مبارك من جمال الأسلوب وروعة تصوير العاطفة ...
وتلك هي القصة:
"يا رب ارزقه الولد الصالح ... يا ربّ إن كنتَ قد حرمتني منه بإرادتك فلا تحرمه يا رب ... يا ربّ أَسعِده في الدنيا والآخرة ... يا ربّ ارزقه البنين والبنات"
اختلطت الدعَوات بالعَبَرات، قامت من مصلاّها واستلقت على فراشها، ولمّا لم تجد أحدًا بجوارها علا نحيبها ...
"ماذا تراه يفعل الآن؟ إنه في الغرفة المجاورة ولا أستطيع أن أكحّل عينيّ برؤياه ... تُرى هل يفكّر بي كما أفكّر به؟ ... لا إنه الآن مغرِق في لذّته معها، أؤكد أنه نسيَني ....
أين سواد شعرها من بياض الشيب الذي بدأ يتسرّب إلى مِفرقي؟ أين امتلاء أردافها من نحولي وضعفي؟ أين جمال قوامها من قوامي المائل للقصر؟ نعم، إنني أجمل منها، لكن الرجال يعجبهم الصغر والصحة أكثر مما يفتنهم الجمال!
آهٍ ... آه ... كيف جنيت على نفسي وشجّعته على الزواج بأخرى؟ لقد كنت مجنونة عندما فكّرت بهذا ... فعلاً هذا ما نعتني الناس به .... على نفسها جَنَت مراقش .... إنني أحبه ... أحبه ... وفعلت هذا لأجله ... نعم، لم يكن يعكّر صفو حياتنا شيء، ولكني كنت أرى بريق الدمع في عينيه كلما رأى طفلاً صغيرًا، رغم أنه كان يحاول إخفاء ذلك عني، ويقول: هذا ما قدّره الله لنا ...
لا أنسى يوم فاتحته بالأمر أول مرة، قلت له بعد أن استجمعت كلّ قواي، وأخفيت الدمعة التي تحاول الخروج: قد سمح الله بالزواج الثاني في هذه الحال ...
نظر إليّ بإشفاق، وظنّ أنني قد جُننت ... نعم، لقد جُننت بحبك ... لقد سمع هذا من الكثيرين لكن أن يسمعه من زوجته فهذا مستحيل ... يومها قال لي: حبيبتي، إن حبّي لك يفوق حبي للأولاد والنسل.
لكن هل يمكن أن أنسى دمعاته؟
بدأت أفاتحه بالأمر مرة بعد أخرى حتى اقتنع ... يا لي من مجنونة لقد زوّجته بنفسي ... هل يُصدّق عاقل أنني قد خطبت له بإرادتي؟ "
كانت تستعرض هذا وهي غارقة في بكاءها المتواصل، سألت نفسها:
"هل أنا نادمة الآن؟ .... لا، لا، إذا كان في هذا سعادةٌ له فلا ضير، وليكن ما كان .... ولكن إذا لم يقدّر هذا وذاب في حبّها .... أعلم أنها جيّدة الخُلُق والدين ولكن ماذا لو حرّضته على تطليقي بعد فترة؟ لا ... لا قدّر الله، في هذا موتي بلا محالة ... لا أستطيع العيش بعيدة عنه لحظة واحدة ... يا إلهي لقد ضحّيت بغيرتي لأجله .... ضحّيت بمملكتي لأجله .... أيمكن أن ينسى هذا؟ أيمكن أن ينسى السنوات السبع التي قضيناها معًا؟ "
تتلمّس الوسادة قربها ... تُدنيها منها ... تشمّها:
"لقد كان البارحة هنا بجانبي ... وكل يوم على مدى سبع سنين ... أينسى هذا يومًا من الأيام؟ لا أظنّ هذا ... ولا أتخيّله، لقد عهدته مخلصًا دائمًا ....
يقولون إن الرجل يتناقص حبه لزوجته مع مرور الأيام ويمّلها بعد سنوات ... لكن إذا فُقد الحب فأين الوفاء؟ أين الإخلاص؟ أين الاعتراف بالجميل؟
لا يمكن أن يخونني ... لقد جدّد لي عهده البارحة، وقال إنه سيعدل بيننا، وأقسم أنه يحبّني أكثر منها، وأنه يقدّر لي تضحيتي لأجله ...
كنت مقتنعة بكلامه تمامًا، فما لي الآن أشك في صدقه ووفائه؟
يا ربّ ما لي سواك ... أنت معي في وحدتي ... يا ربّ لم أفعل هذا إلا لأنه حلال في كتابك وقد أمرت به لإكثار النسل المسلم ... إنه حلال فعلاً، لست أول امرأة أو آخر امرأة تفعل هذا .... لكنني أول امرأة تسوق إلى بيتها ضرتها لتقاسمها البيت والزوج ...
نعم، هذا ذنبي وخطئي ... هذا ما جنته يداي ... لا حول ولا قوة إلا بالله ... لا اعتراض على حكمك يا رب".
بقيت طوال الليل في فراشها تتنازعها رياح الخوف وعواصف الشك، ثم تأخذها برودة اليقين وهدوء الإيمان إلى أن استيقظت بعد قليل -أو كما ظنّت هي- على قبلة لطيفة على خدّها، فإذا بزوجها أمامها ينظر إليها بإكبار كالفتاة المعجَبة بأبيها، "يا إلهي ... إنه هو ... يا الله ما أجمل هذه الطلعة! ما أشرق هذا الوجه! ما ألذّ هذه القبلة! "
أخفت الوسادة المبللة بدموعها مساء الأمس، وقامت مسرعة:
- أهلاً حبيبي أهلاً ... ألف مبروك .. بارك الله لك ولها وأنجب منكما الذرية الصالحة ... كيف حالك؟
- آسف يا حبيبتي لكنّها مشيئتك ...
- ماذا تقول؟ لا حاجة للاعتذار ... أنا فرحة لأجلك أشدّ الفرح ... ولسوف يكون أجمل يوم في حياتي يوم ترزق بالولد.
- ما أحكَمَك يا عزيزتي!
- ما الذي أتى بك الآن؟ اذهب إليها واسعَد معها، فهذا يومها.
- كيف أسعَدُ بدونك؟ أقسم أنني أحبك وأنك لم تفارقي قلبي الليلة الماضية، وأنا ذاهب إليها الآن إن كانت هذه إرادتك.
وبعد أن أغلقت الباب خلفه بلعت الغصة التي كادت تخرج دون إرادتها، واستبدلتها بابتسامة صغيرة أخفت وراءها الهموم والشكوك والخواطر التي تراودها، وعادت إلى سريرها تتلمّس وسادته وتفكّر بالليلة الآتية حين يضمّهما معًا سرير واحد.
¥