«ودَاعياتُ الأعْشَى في جَامعَةِ وَادِي سُوفَ»
ـ[سعد مردف عمار]ــــــــ[27 - 08 - 2009, 12:15 م]ـ
ودِّعْ هريرَةَ إنَّ الركبَ مرتحلُ = و هل تطيق ودَاعًا أيهَا الرجُلُ
حان الفراقُ و لو يدْري أحبتُنا = بما نكتِّمُ في الأحشَاءِ ما رَحَلُوا
و لا تولَّوا وخلف الركبِ ذُو كبدٍ=
حرَّى، تقلبُه الآهَاتُ، و العِللُ
كنا وكَانتْ لنا أرضٌ نؤمِّلها = بها اجتمَعْنا، و فيهَا ضمَّنا الأملُ
و في مرابعِها كانت لنا أممٌ ُ ُ = للعلم، و الأدب المختار يُنتَهَلُ
و ذكرياتٌ إذا أيقظتُها طربَت = نفسي، و عاودها للشعرِ مرتجلُ
و في المجالي عَرفْنا الحبَّ متصلا = و فيه أسعفنَا من وحيهِ غَزَلُ
وطوَّحَتْ بحبالِ الفكرِ أنديةٌ، = لها من الفضلِ موصُول، ومتصِلُ
أمسَتْ بها الضادُ وهيَ البحرُ في مَددٍ=
زهرَ البسَاتينِ منْها يجُتَنىَ العسَلُ
و في المدرَّج، والباحَاتِ ما حملَتْ=
ذكرَى من البِشْر بالأفرَاحِ تنهَملُ
و إذ دلَفنا إلى الأقسَام يحْمِلنُا=
شوقٌ إلى الدرسِ أمسَى، و هومكتَمِلُ
كنَا، وكانَ لأغصانِ الحِجَا ثمرُ،ُ = و للقلوبِ من الآدابِ محتفَلُ
و لامرئِ القيسِ من أنفاسِِنا عبقٌ = و نظمُ حسَّانَ من فوقِ الحمَى ظُللُ
و داعبَتنْا على مرِّ الضحَى دُررٌ = قد جادَ شوقي بها إذ هزَّه ُطللُ
إيهٍ لتلكَ، و للأعصَارِ سابحةً = على قصائدِ مفدي، وهي تقتَْتِلُ
يا دارَنا هاجَتِ الذكرَى لنا صُورًا = نفسُ الفتى بعدَها كالنَّار تشتعِلُ
عهدٌ بجامعَةِ الوادِي خَلا فإذا = ليلٌ من الشوقِ و التحْنَانِ منسََدِلُ
قد كانَ عامٌ، وعامٌ طابَ منتجَعاً=
و عامُ جدٍّ، تلاهُ الرابعُ العجِلُ
تلكم تقضَّتْ كلمحِ الطرفِ، و انتبَهَتْ =
عيني على فرقَةٍ نادَى بها الأجَلُ
ما أنس، لا أنسَ أياماً يباكُرُها=
قلبُ الخليِّ فيأسَى كيفَ تنتقلُ؟!
ما بَالُ كلِّ جميل ينتَهي عَجِلاً،=
وكلُّ كلُّ قبيحٍ، وصْفُهُ الثقَلُ!
يا صاحِ مرَّتْ بنا الأيامُ ما تَركَتْ=
غير التذكُّر منْهُ العَينُ تكتَحِلُ
إنْ عَنَّ للفكر ذكرُ الأمسِ أو سنَحَتْ=
تلكَ العهودُ تدَاعَى، و هْوَ يعتَمِلُ
و هاجَهُ الشوقُ للأيَّام خَاليةً،=
حيثُ الدُّروسُ، وحيثُ الدِّينُ وَالمثلُ
و باعثُ البحْثِ إذْ للكتْبِ منزلةٌ = و للتحَاورِ لا حَيفٌ، ولا جَدَلُ
آناءُ فضلُ تعيدُ الروحَ باسمةً، = و توقِظُ الحسَّ إما نالهُ كَللُ
و تستَحِثُّ من الوجدان أغنيةً = للوجْد أوتارُها من فتيةٍ عقلُوا
طلابنا الغرُّ مذْ قامُوا لمأدبَةٍ ٍ، = جلَّتْ عطايَا وطابَتْ للأُلى نزلُوا
ولحنُ أغنيَتي مَن نوَّرُوا سبُلاً = للمدلجينَ، ومنْ أعطَوا ومَن بذَلوُا
معلمُو الجيلِ أن يرقَى إلى شرَفٍ = فوقَ المعالي، و أن يعنُو له الجَبلُ
للهِ يا زمنًا للوصْل مُرتحِلاً = طبْ في الخوالي زمَانًا غيرُه جَللُ
ودعْتُ منكَ أصيْحَاباً فأرَّقني = هجْرُ الأحبة إني للفَتىَ الوجِلُ
لو كانَ لي كفُّ هذا الوقتِ ما زحَفَتْ=
عقَاربٌ، أو يُرى الرقَّاصُ ينتقَِلُ
لكنَّها من قضَاءِ الله أقضيةٌ = ومِنْ تصَاريفِهِ في الخلق ُ تُحتمَلُ
ودعْ هريرَةَ إن شطَّتْ، وإنْ رَحَلَتْ=
و بالتصَبرِ فينَا يُعْرَفُ الرجُلُ
ـ[جلمود]ــــــــ[27 - 08 - 2009, 05:30 م]ـ
شاعر فحل مطبوع ورب الكعبة!
وكأنني في زمن الأوليين أستمع لشاعر إذا قال وَجَبَ على البحر الطاعة،
تصرف عجيب في الكلم وكأنه يقول له كن فيتوشى أبهى ثيابه،
أن يخفي الشاعر حبات عرقه فلا ترى إلا رقراقا متسلسلا فهذه هي الفحولة،
كلما أعدت قراءتها ازدادت جمالا فازدانت بسحرها الخلاب،
لله ردك ساحرا!
ـ[علي جابر الفيفي]ــــــــ[27 - 08 - 2009, 10:34 م]ـ
سلاسة وعذوبة جميلة , هنا نزهة لكل قارئ , ويالروعة التقسيم حين تقول:
قد كانَ عامٌ، وعامٌ طابَ منتجَعاً
و عامُ جدٍّ، تلاهُ الرابعُ العجِلُ
يشبه الأعشى حين قال:
علقتها عرضاً و علقت رجلاً غيري و علق أخرى غيرها الرجل
ولو استغنيت عن هذا البيت:
لو كانَ لي كفُّ هذا الوقتِ ما زحَفَتْ
عقَاربٌ، أو يُرى الرقَّاصُ ينتقَِلُ
لأني أرى فيه شيئَا من التكلف.
بارك الله فيك , وزادك شعراً.
تحياتي لك.