تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذن، فلا شك أن الأزمة الحقيقية هي في المعلم نفسه، سواء من درّس باللهجة العامية، أو من حاول أن يدرّس باللغة العربية الفصيحة، تحت ظرف ما، كأن يكون مثلاً في حصة تقويم وأمام المشرف التربوي، ذلك أن كثيراً من المعلمين لا يحسنون التحدث باللغة العربية الفصيحة، أو نقل أفكارهم إلى طلبتهم من خلال لغة عربية سليمة، إنْ في مرحلة التعليم الأساسي أو في مرحلة التعليم الثانوي، وتكاد الصورة لا تتغير إذا انتقلنا إلى التعليم الجامعي، فهناك تجد – أحياناً – خلطة عجيبة من اللهجة العامية المحكية، واللغة الأجنبية، وبعضاً من اللغة العربية الفصيحة، وذلك في شتى الكليات والتخصصات.

ولعل البلوى الكبرى هي أن معلم اللغة العربية في مدارسنا قد انزلق لسانه هو الآخر، وصار يدرّس ويعلم اللغة العربية باللهجة المحكية، فهو يشرح درس النحو باللجهة العامية، ويشرح درس الأدب والنقد وحتى حصة التعبير أو الإنشاء كل ذلك بلهجته العامية، وهي حقاً كارثة كبرى، لا تقل خطورتها وأضرارها عن خطورة الأسلحة النووية والكيماوية التدميرية وأضرارها، فإن كانت هذه تهلك الأرواح وتخرب الممتلكات، فإن تدمير اللغة يدمر هوية الأمة ويهدم كيانها، ويقوض أهم مقومات بقائها، لأن اللغة هي «حاضنة قيم الأمة ومُثلها وخبراتها وتجاربها ومعارفها ومقوماتها الروحية والمادية، وبذلك كانت وسيلة تواصل الأجيال وتماسك المجتمع ووحدة الأمة، وضمير الجماعة وعنوان شخصيتها» (3).

فمن أين نبدأ مسيرة الإصلاح؟ وكيف نفعّل وسائل الحل والعلاج؟

إن العملية التعليمية عملية معقدة، وعناصرها كثيرة، منها المعلم، والطالب والمنهاج، وعدد الساعات المخصصة للتدريس، وضغط المقررات الأخرى، والكتاب المدرسي، وطريقة التدريس وأساليبه، والنشاط الصفي وغير الصفي، وجو المدرسة، والبيت، والعلاقة بينهما، والوسط الاجتماعي العام، بما في ذلك الصحبة، والجوار، ووسائل الإعلام، ومستوى الدخل، والتكوين النفسي، والفروق الفردية والاجتماعية .. وغير ذلك من العناصر المتواشجة، التي يؤثر بعضها في بعض، وتتفاعل تفاعلات شتى، فتسفر عن نتائج معقدة، تحتاج في تبينها وقياسها وتقويمها إلى تخصصات كثيرة، ودراسات متعددة، يشترك فيها المتخصصون في اللغة العربية، والتربية وعلمي النفس والاجتماع .. وغيرها (4). ولكن يبقى المعلم هو العنصر الحاسم في التأثير في عملية تعليم الطالب وتعلمه. فلو أن المنهاج مثلاً كان متوازناً، والكتاب المدرسي قد توافرت فيه مواصفات الجودة, والجو المدرسي كان ملائماً ومريحاً، بيد أن المعلم كان ضعيفاً، فعندئذ لن يفيد توازنُ المنهاج وجودة الكتاب وحسن الجو المدرسي الطالبَ في شيء، إذ سيغدو كل ذلك أدوات عقيمة في يد مدرس ضعيف، والعكس صحيح؛ إذ لو كان الضعف والخلل في المنهاج التعليمي أو الكتاب المدرسي، فإن المعلم القوي المتمكن المعد إعداداً صحيحاً يستطيع أن يسد النقص ويعالج الثغرات التي تواجهه، ويحيل الضعف إلى قوة دائماً، بحسن تدبيره وحكمة إدارته للمواقف التعليمية التعلمية، وهذا ما أكدته بعض الدراسات الميدانية التي أجريت في الأردن، كدراسة عليان 1978 (ص34 – 39)، والخطيب 1983 (ص5 - 51)، والنجار 1984 (ص48 - 54)، وأبداح 1990 (ص5) (5)

وبالتالي فمعلم اللغة العربية هو مَعْلم من معالم الإصلاح اللغوي، والنهوض باللغة الفصيحة، وهو بحاجة ماسة إلى أن يعد إعداداً خاصاً يؤهله ليقوم بعبء مسؤولية تعليم اللغة بوعي جديد، ومهمّات جديدة، وأساليب حديثة، وبخاصة في المرحلة الابتدائية، التي تمثل مرحلة اكتساب المهارات الأساسية في اللغة، التي هي منطلق أساسي لاكتساب المعارف والمهارات في بقية المواد الدراسية الأخرى.

وإن تمكُّن المعلم من لغته العربية وإدراكه لأهميتها هو مفتاح نجاحه في عمله وتمكّنه من تحقيق أهدافه، وكي نحظى بمثل هذا المعلم فلا بد أن تمر عملية إعداده بمراحل معينة، وفق خطة مدروسة بإحكام، مبنية على أسس علمية، وبعد دراسة وبحث علمي من قبل متخصصين أكفاء في هذا المجال. وذلك أمر تفرضه خصوصية هذه اللغة من حيث طبيعتها ومكانتها، كما تفرضه الحال التي تعاني منها اللغة وأهلها في عصرنا هذا.

ونلخص هذه المراحل على النحو الآتي:

مرحلة انتقاء المتقدمين للتخصص في مجال تعليم اللغة العربية.

مرحلة الإعداد الأكاديمي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير