كما قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} الممتحنة4
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: " وأجمع العلماء سلفا وخلفا، من الصحابة والتابعين، والأئمة، وجميع أهل السنة أن المرء لا يكون مسلما إلا بالتجرد من الشرك الأكبر، والبراءة منه وممن فعله، وبغضهم ومعاداتهم بحسب الطاقة، والقدرة، وإخلاص الأعمال كلها لله ".
فالمجادلة عن المشركين و الدفاع عنهم ينافي البراءة منهم و يناقضه.
فإن البراءة تكون في القلب و تكون على الجوارح فمتى ما تحققت البراءة في القلب و كانت الإرادة و القدرة تامة فلا بد أن تظهر على الجوارح.
و متى ما لم تظهر مع تحقق شروطها يكون أدنى أحوال هذا التارك للبراءة أنه آثم من كبار العصاة بل من المتعرضين للعن و الطرد من رحمة الله تعالى.
فإن زاد على هذا دفاعه عن المشركين و جداله عنهم علم عدم تحقق البراءة القلبية عنده و مثله هذا لم يحقق أصل الدين.
و الفرق و اضح بين كتم الحق و إظهار الباطل.
فكتم الحق قد يعذر صاحبه ظاهرا و إن كان هذا الكتم لم يستمر طويلا فإما أن يقوي إيمانه فيظهر الحق و يصدع به أو أنه يستمرأ الشرك و مخالطة أهله فيصبح منهم و يدافع عنهم و يجادل من كفرهم و يتبرأ منهم.
قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) المائدة.
فمن أسباب لعن بني إسرائيل في هذه الآيات أنهم كانوا لا ينهى أحدهم الآخر عن فعله للمنكر و من المعلوم ضرورة من دين الإسلام أن أعظم منكر على الإطلاق هو الشرك الأكبر بل ما بعث الله تعالى الأنبياء جميعا إلا لتحذير منه كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} النحل36
و قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} الأنبياء25.
فذنب من ترك إنكار الشرك و عبادة الطواغيت أعظم ممن ترك إنكار ما دونه من المحرمات و الفواحش فترك إنكار عبادة الطاغوت ثم الجلوس مع المشركين تفضي و لا محالة إلى موافقتهم حتى لو كان ظاهرا.
لذا بنو إسرائيل لما تركوا إنكار المنكر مع أنهم كما في ورد في تفسير هذه الآيات كانوا ينكرون عليهم و لكن كانوا بعد الإنكار يجلسون معهم و يأكلون فكيف بمن ترك الإنكار عليهم و جلس معهم و أكل فهذا و لا شك أعظم إثما ممن أنكر و جلس لذا قال تعالى {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} النساء140.
فحكم الله تعالى بنفاق من جلس مع الكفار و هم يكفرون بالله تعالى و لم ينكر عليهم و لم يقم فحكم عليه بأنهم مثلهم و أنه جامعهم في جهنم جميعا.
¥