إذا ثبت هذا فلا بد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل منها أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليدا له وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ولذلك عدت زلة وإلا فلو كانت معتدا بها لم يجعل لها هذه الرتبة ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير ولا أن يشنع عليه بها ولا ينتقص من أجلها أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين وقد تقدم من كلام معاذ بن جبل وغيره ما يرشد إلى هذا المعنى
وقد روى عن ابن المبارك أنه قال كنا في الكوفة فناظروني في ذلك يعني في النبيذ المختلف فيه فقلت لهم تعالوا فليحتج المحتج منكم عمن شاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة فإن لم نبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه فاحتجوا فما جاءوا عن واحد برخصة إلا جئناهم بشدة فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود وليس احتجاجهم عنه في رخصة النبيذ بشيء يصح عنه قال ابن المبارك فقلت للمحتج عنه في الرخصة يا أحمق عد أن ابن مسعود لو كان ههنا جالسا فقال هو لك حلال وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الشدة كان ينبغي لك أن تحذر أو تحير أو تخشى
فقال قائلهم يا أبا عبد الرحمن فالنخعي والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام فقلت لهم دعوا عند الاحتجاج تسمية الرجال فرب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا وعسى أن يكون منه زلة أفلأحد أن يحتج بها فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة قالوا كانوا خيارا قال فقلت فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدا بيد فقالوا حرام فقال ابن المبارك إن هؤلاء رأوه حلالا فماتوا وهم يأكلون الحرام فبقوا وانقطعت حجتهم هذا ما حكي
والحق ما قال ابن المبارك فإن الله تعالى يقول فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول الآية فإذا كان بينا ظاهرا أن قول القائل مخالف للقرآن أو للسنة لم يصح الاعتداد به ولا البناء عليه ولأجل هذا ينقض قضاء القاضي إذا خالف النص أو الإجماع مع أن حكمه مبني على الظواهر مع إمكان خلاف الظاهر ولا ينقض مع الخطأ في الاجتهاد وإن تبين لأن مصلحة نصب الحاكم تناقض نقض حكمه ولكن ينقض مع مخالفة الأدلة لأنه حكم بغير ما أنزل الله
فصل
ومنها أنه لا يصح اعتمادها خلافا في المسائل الشرعية لأنها لم تصدر في الحقيقة عن اجتهاده ولا هي من مسائل الاجتهاد وإن حصل من صاحبها اجتهاد فهو لم يصادف فيها محلا فصارت في نسبتها إلى الشرع كأقوال غير المجتهد وإنما يعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة كانت مما يقوى أو يضعف وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل أو عدم مصادفته فلا فلذلك قيل إنه لا يصح أن يعتد بها في الخلاف كما لم يعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل والمتعة ومحاشي النساء وأشباهها من المسائل التي خفيت فيها الأدلة على من خالف فيها) اهـ.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه أجمعين أما بعد
فكنت قد قرأت مقالا لأحد أبنا شنقيط القاطنين في بلاد الكفار النصارى أمريكا زعم أنه يأمل (من خلال ذلك أن يرتفع الحوار حول آراء الترابي إلى مستوى الحوار المعرفي، بديلا عن خطاب التكفير ... ) وقد ساءني كثيرا ذلك المقال ولم يزد صاحبه فيه على أن أمطر صفحاته بوابل من التدليس والتلبيس وقلب الأمور ومحاولة بائسة لتأييد الترابي أو التبرير له وتبرأته.
فعزمت على بيان ذلك مع علمي بحاجتي الماسة إلى ما هو أنفع لي من رد ذلك ونقضه ولكني رأيت من بعض الصالحين نوع ثأثر بمقال الشنقيطي فرأيت أن لا بد من رفع ذلك اللبس والله المستعان
وطريقتي في ذلك أني إذا أرت ذكر كلام الشنقيطي ميزته بلول أحمر وبخط آخر وميزت الرد بلون أسود وخط آخر وربما قلت في بدايته: قلت أو أقول.
وقفات مع مقال الشنقيطي (آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير)
07 - 6 - 2006
¥