يصح كلام من يقول إن التوقف مذهب مقابل للإثبات أو مقابل حتى للنفي ولكن في قوله إن التفويض مذهب مقابل وربما مضاد للإثبات نظر وكلام كثير من المعاصرين يخلط بين مذهبي "التوقف" و "التفويض" وقد فصل بينهما الدكتور القاضي في رسالته سابقة الذكر.
كل من "التوقف" و "التفويض" إعراض عن أمر الله تعالى بتدبر آيات القرآن (مع دعوى الإيمان بها).
وهما في الحقيقة "إلحاد في آيات الله". ولهذا كانا مضادين للإثبات - الذي هو الإيمان والإقرار مع الفهم والتدبر.
إلا إذا وقع التوقف أو التفويض قبل التعلَم لمعاني الصفات المورود عن السلف - كحال العجم المبتدئين أو حادثي التوبة من علم الكلام.
ففي مثل هذه الحال يسوغ في حقهم تفويض علم معاني الصفات إلي العلماء به - ثم عليه أن يتعلم تلك المعاني من هؤلاء العلماء أتباع السلف.
وهناك ملاحظة غريبة على كلام ابن تيمية في هذا الموضوع فهو يقول عند تقسيمه لأهل التفويض:
((ومنهم من يقول بل تجرى على ظاهرها وتحمل على ظاهرها ومع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلا يخالف ظاهرها وقالوا مع هذا إنها تحمل على ظاهرها وهذا ما أنكره ابن عقيل على شيخه القاضي أبي يعلى في كتاب ذم التأويل)) أ. هـ. انظر درء تعارض النقل والعقل (1/ 15 - 16)
وقد بحثت طويلاً في إبطال التأويلات "ذم التأويل" بل في كافة كتب أهل التفويض عمن يقول إن لها تأويلاً يخالف ظاهرها فلم أجد فالله اعلم بمقصد شيخ الإسلام في هذه النقطة وحبذا لو اطعمنا أخ فاضل من توجيهه.
مقصوده رحمه الله أن صاحب هذا القول متناقض لأنه قال قولين متناقضين:
قال أوّلاً:
1 - إن تلك الصفات لا يعلم تأويلها إلا الله، وهذا التأويل الذي لا يعلمه إلا الله يخالف معانيها الظاهرة.
ثم قال ثانيًا:
2 - أن تلك الصفات تجري وتحمل على معانيها الظاهرة، أي ظاهرة معلومة لدينا.
فواضح أن ذلك الأول مناقض لهذا الثاني!
وإنما لمفروض، أنه إذا قال بالأول لزمه القول بحمل آيات الصفات على ذلك المعنى الذي لا يعلمه إلا الله، فيكون بعد ذلك: "مفوَِضًا حقيقيًَا".
ثم إن هذا الكلام ليس قاصراً على الأشاعرة وحدهم بل دخل فيه معروفون بمواقفهم المضادة للأشاعرة كأبي يعلى الحنبلي في "إبطال التأويلات" كما سبق وابن قدامة في أكثر من ثلاثة كتب ويوسف الكرمي الحنبلي في "أقاويل الثقات" بل قد وقع في كثير من كلام الذهبي في "السير" وغيرهم.
فما تفسير ذلك منهم؟؟
لا يا أخي!
أمثال الإمام الذهبي (من الذين اتهمهم بعض الناس بالتفويض مع أنهم من أتباع السلف) إنما يمتنعون تفسير الصفات بألفاظ لم يرون وروده عن السلف الصالح. فالذهبي رحمه الله لا يمنع أن يفسر (الاستواء) بـ (العلو) أو (الارتفاع)، لأن تفسيره بهذين اللفظين وارد عن السلف بالأسانيد الصحيحة. أما تفسيره بـ (الاستقرار) أو (الجلوس) فلا يرى الذهبي صحة وروده عنهم. فيتوقف في هذين الآخرين.
هذا من ناحية. ومن ناحية أخري، يرى الذهبي وأمثاله أن في لفظ الاستواء استغناء عن الإتيان بلفظ الجلوس والاستقرار. لأن معنى لفظ الاستواء ظاهرٌ بيَِنٌ لا يحتاج إلى تفسيره بألفاظ أخري. وكذلك يقول الذهبي في لفظ النزول والوجه واليد عند تعليقه على قصة أبي زرعة كما في العلو - إن لم تخني الذاكرة.
وهذا المنهج مختلف تماما عن منهج المفوضة. فإنهم يمتنعون أن يفسر الاستواء بالعلو أوالارتفاع - رغم وروده عن مجاهد وغيره من السلف. ولايرون أن معنى الاستواء بيَِنٌ ظاهرٌ. بل فوّضوا علمه إلى الله ومنعوا ترجمته إلى اللغة الأخري. بل قد يمنعون استخدام المشتق منه (فلا يقولون "إن الله مستو على عرشه" ولا يرضى به ولا يحلّه. وإنما اقتصروا على تعبير القرآن: "على العرش استوى").
[/ quote]
هذا، وأرجو الله أن يكون في كلامي السابق هداية لكل من أرادها.
والله أعلم.
ـ[نضال مشهود]ــــــــ[30 - 04 - 07, 06:55 م]ـ
الفاضل أحمد يس ... وفقه الله ...
ما ذكرتَه معضلة عليهم ... وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الإشكال، وأورده عليهم ...
فإثبات الصفات وتفويض المعنى ضدان لا يجتمعان ...
لأن إثبات الصفات عند السلف هو إثبات معناها، ومعنى إثبات المعنى يشمل أمرين:
تصور المعنى
والتصديق بالمعنى
أما تفويض المعنى فيشمل أمرين:
الجهل بالمعنى
نفي أي معنى (لأنه مقتضى التفويض وإلا لم يكن تفويضا)
وكما ترى .. فالجهل بالمعنى ينافي تصوره
ونفي المعنى (المقتضي للتفويض) ينافي التصديق به
وشيخ الإسلام أورد على الأشاعرة (الذين أدخلهم في الصفاتية جملة لأنهم يثبتون الصفات
جملة وليس مثل السلف ولأنهم أحسن حالا من المعتزلة) ما تورده أنت علينا، لأن مذهب
التفويض تطور عند الأشاعرة وخاصة المتقدمين لأجل الجمع بين قول السلف المنتشر الذائع
حينئذ وبين قول الأشعري في التأويل، ولأجل حل المعضلة التي وجدت نتيجة عن روايتي
الأشعري في التأويل والإثبات، فاخترعوا نظرية التفويض، ولا يستطيع أحد أن يثبت أن أن
التفويض فكرة الأشعري، بل هي فكرة تلاميذه جزما ...
أقول: رام متقدموا الأشاعرة أن يكونوا مثبتة مثل السلف، وفي نفس الوقت شعروا
بالغضاضة من الإثبات المحض الذي كان عند السلف، فاخترعوا هذه الطريقة في الإثبات
وهي طريقة متناقضة أو متضادة لا يمكن أن تثبت في منهاج النقل ولا ميزان العقل.
وأحب أن أصحح لكم أنه ليس المتأخرون هم الذي جزموا بالتناقض بين الإثبات والتفويض
بل هو مقتضى فهم السلف للصفات ...
ويبدو أنكم راجعتم الكثير من المراجع ذات الصلة، فمراجعة بسيطة لعبارات السلف في
إثبات الصفات تستدعي بالضرورة نفي التفويض المزعوم ...
وفقكم الله.
شيخنا رضا حفظكم الله،
أنا قرأت لكم كتاب "30 طريقا لخدمة الدين"،
وهو كتاب نافع جدا، فجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
أخوكم الصغير من جاوا،
نضال مشهود الأزهري