وقد قال المسعودي الشيعي في كتابه: أن الحسن ? لما خطب بعد اتفاقه مع معاوية ? قال: يا أهل الكوفة! لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث خصال لذهلت: مقتلكم لأبي، وسلبكم ثقلي، وطعنكم في بطني، وإنى قد بايعت معاوية فاسمعوا وأطيعوا. وقد كان أهل الكوفة انتهبوا سرداق الحسن ورحله وطعنوا بالخنجر في جوفه، فلما تيقن ما نزل به انقاد إلى الصلح ().
وأهانوه إلى أن شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله الجعال الأزدي، فنزع مطرفة عن عاتقه، فبقى جالساً متقلداً السيف بغير رداء ().
وطعنه رجل من بني أسد الجراح بن سنان في فخذه، فشقه حتى بلغ العظم …. وحمل الحسن على سرير إلى المدائن … واشتغل بمعالجة جرحه، وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سراً، واستحثوه على سرعة المسير نحوهم، وضمنوا له تسليم الحسن إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به، … فازدادت بصيرة الحسن عليه السلام بخذلانهم له، وفساد نيات المحكمة فيه وما أظهروه له من سبه وتكفيره، واستحلال دمه، ونهب أمواله ().
هذا وكانوا يهينونه بلسانهم كما كانوا يؤذونه بأيديهم، ولقد ذكر الكشي عن أبي جعفر أنه قال: جاء رجل من أصحاب الحسن عليه السلام يقال له سفيان بن أبي ليلى وهو على راحلة له، فدخل على الحسن عليه السلام وهو محتب في فناء داره، فقال له: السلام عليك يا مذل المؤمنين! قال وما علمك بذلك؟ قال: عمدت إلى أمر الأمة فخلعته من عنقك وقلدته هذه الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله ().
ثم بين الحسن وأوضح ما فعلت به شيعته وشيعة أبيه وما قدمت إليه من الإساءات والإهانات، وأظهر القول وجهر به فقال: أرى والله معاوية خير إلي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي، وأخذوا مالي. والله! لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي، والله: لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلماً. والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ().
وأهانوه حيث قطعوا الإمامة من عقبه وأولاده، بل افتوا بكفر كل من يدعي الإمامة من ولده بعده.
طعنهم في الحسين بن علي رضي الله عنه
وأما الحسين فلم يكن أسعد من أخيه وأمه وأبيه حظاً مع إظهار مغالاة القوم ومبالغتهم في حبه وولائه، فأهانوه ? وأرضاه قولاً وفعلاً، فقالوا: إن أمه فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله ? كرهت حمله، وردت بشارة ولادته عدة مرات كما لم يكن رسول الله ? يريد أن يقبل بشارة ولادته، ووضعته فاطمة كرهاً، ولكراهة أمه لم يرضع الحسين من فاطمة رضي الله عنهما. وهذه الروايات من أهم كتب الحديث عند القوم وأصحها مثل البخاري عند السنة، فيروي الكليني عن جعفر أنه قال: جاء جبريل إلى رسول الله ? فقال: إن فاطمة عليها السلام ستلد غلاماً تقتله أمتك من بعدك، فلما حملت فاطمة بالحسين عليه السلام كرهت حمله، وحين وضعته كرهت وضعه، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: لم تر في الدنيا أم تلد غلاماً تكره، ولكنها كرهته لما علمت أنه سيقتل، قال: وفيه نزلت هذه الآية: ?ووصينا الإنسان بوالديه حسناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً? (). هذا وعاملوه معاملتهم أخيه وأبيه من قبل، فلقد ذكر جميع مؤرخي الشيعة أن أهل الكوفة، التي كان مركزاً للشيعة، والتي قالوا فيها ما قالوا، وإن جعفراً ذكرها بقوله: إن ولايتنا عرضت على السموات والأرض والجبال والأمصار، ما قبلها قبول أهل الكوفة ().
والتي قالوا فيها: إن الله قد اختار من البلدان أربعة فقال: والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين، فالتين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سيناء الكوفة وهذا البلد الأمين مكة ().
كتبوا من هذه الكوفة كتباً إلى الحسين نحواً من مائة وخمسين كتاباً، منها ما جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم! للحسين بن عليّ أمير المؤمنين من شيعته وشيعة أبيه عليّ أمير المؤمنين. سلام الله عليك، أما بعد! فإن الناس منتظروك، ولا رأي لهم غيرك فالعجل! العجل! يا ابن رسول الله! والسلام عليكم ورحمة الله ().
وكتاباً آخر: أما بعد! فقد اخضرت الجنات، وأينعت الثمار، فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة، والسلام ().
¥