* فنقل عن أحمد أنه قال له المروذي: ما تقول في النكاح؟ فقال: " سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
فقال: قد قال إبراهيم.
قال: فصاح بي و قال: "جئتنا ببنيات الطريق؟ "
*و قيل له: إن سريا السقطي قال: لما خلق الله تعالى الحروف، و قف الألف و سجدت الباء، فقال:" نفروا الناس عنه ".
- و اعلم أن المحقق لا يهوله اسم معظم، كما قال رجل لعلي بن أبي طالب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: أتظن أنا نظن أن طلحة و الزبير، كانا على الباطل؟ فقال له: " إن الحق لا يعرف بالرجال، أعرف الحق تعرف أهله ".
و لعمري أنه قد وقر في النفوس تعظيم أقوام، فإذا نقل عنهم شيء فسمعه جاهل بالشرع قبله، لتعظيمهم في نفسه.
كما ينقل عن أبي يزيد، أنه قال: " تراعنت علي نفسي فحلفت لا أشرب الماء سنة ".
و هذا إذا صح عنه، كان خطأ قبيحاً , و زلة فاحشة، لأن الماء ينفذ الأغذية إلى البدن، و لا يقوم مقامه شيء. فإذا لم يشرب فقد سعى في أذى بدنه. و قد كان ُيستعذب الماء لرسول الله صلى الله عليه و سلم.
أفترى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له، و أنه لا يجوز التصرف فيها إلا عن إذن مالكها.
و كذلك ينقلون عن بعض الصوفية، أنه قال: "سرت إلى مكة على طريق التوكل حافياً، فكانت الشوكة تدخل في رجلي فأحكها بالأرض و لا أرفعها، و كان علي مسح، فكانت عيني إذا آلمتني أدلكها بالمسح فذهبت إحدى عيني ".
و أمثال هذا كثير ..
و ربما حملها القصاص على الكرامات، و عظموها عند العوام، فيخايل لهم أن فاعل هذا أعلى مرتبة من الشافعي، و أحمد.
و لعمري، إن هذا من أعظم الذنوب و أقبح العيوب، لأن الله تعالى قال {و لا تقتلوا أنفسكم}.
و قال النبي عليه الصلاة و السلام:" إن لنفسك عليك حقاً" [متفق عليه].
و قد طلب أبو بك1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ر، في طريق الهجرة للنبي، ظلا، حتى رأى صخرة ففرش له في ظلها [رواه البخاري].
- و قد نقل عن قدماء هذه الأمة بدايات هذا التفريط، و كان سببه من وجهين:
أحدهما: الجهل بالعلم.
و الثاني: قرب العهد بالرهبانية.
* و قد كان الحسن يعيب فرقد السبخي، و مالك بن دينار، في زهدهما فرئي عنده طعام فيه لحم، فقال: " لا رغيفي مالك، و لا صحني فرقد ".
و رأى على فرقد كساء، فقال: "يا فرقد إن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية ".
وكم قد ذوق قاص مجلسه بذكر أقوام خرجوا إلى السياحة بلا زاد و لا ماء و هو لا يعلم أن هذا من أقبح الأفعال، و أن الله تعالى لا يجرب عليه.
فربما سمعه جاهل من التائبين فخرج فمات في الطريق، فصار للقائل نصيب من إثمه.
* و كم يروون عن ذي النون: أنه لقي امرأة في السياحة فكلمها و كلمته، و ينسون الأحاديث الصحاح: "لا يحل لامرأة أن تسافر يوماً و ليلة إلا بمحرم". [متفق عليه]
* و كم ينقلون: أن أقواماً مشوا على الماء .. و قد قال إبراهيم الحربي:" لا يصح أن أحداً مشى على الماء قط ".
فإذا سمعوا هذا قالوا: أتنكرون كرامات الأولياء الصالحين؟
فنقول: لسنا من المنكرين لها، بل نتبع ما صح، و الصالحون هم الذين يتبعون الشرع، و لا يتعبدون بآرائهم.
و في الحديث: "إن بني إسرائيل شددوا فشدد الله عليهم ". [رواه أبو داود]
و كم يحثون على الفقر حتى حملوا خلقاً على إخراج أموالهم، ثم آل بهم الأمر إما إلى التسخط عند الحاجة، و إما إلى التعرض بسؤال الناس.
و كم تأذى مسلم بأمرهم الناس بالتقلل، و قد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "ثلث طعام، و ثلث شراب، و ثلث نفس ". [رواه أحمد]
فما قنعوا حتى أمروا بالمبالغة في التقلل.
فحكى أبو طالب المكي في " قوت القلوب ": أن فيهم من كان يزن قوته بكربة رطبة، ففي كل ليلة يذهب من رطوبتها قليل، و كنت أنا ممن اقتدى بقوله في الصبا، فضاق المعي و أوجب ذلك، مرض سنين.
أفترى هذا شيئاً تقتضيه الحكمة، أو ندب إليه الشرع؟
و إنما مطية الآدمي قواه، فإذا سعى في تقليلها، ضعف عن العبادة.
_ ولا تقولن: الحصول على الحلال المحض مستحيل, لذلك وجب الزهد تجنبا للشبهات, فإن المؤمن حسبه أن يتحرى في كسبه هو الحلال, ولا عليه من الأصول التي نبتت من هذه الأموال.
¥