[انحراف الصوفية .. لابن الجوزي.]
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[06 - 11 - 09, 09:18 م]ـ
انحراف الصوفية
للإمام ابن الجوزي
"تأملت أحوال الصوفية و الزهاد، فرأيت أكثرها منحرفاً عن الشريعة، بين جهل بالشرع، و ابتداع بالرأي. يستدلون بآيات لا يفهمون معناها، و بأحاديث لها أسباب، و جمهورها لا يثبت.
فمن ذلك، أنهم سمعوا في القرآن العزيز: {و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} {إنما الحياة الدنيا لعب و لهو و زينة}
ثم سمعوا في الحديث:" للدنيا أهون على الله من شاة ميتة على أهلها" [رواه مسلم].
فبالغوا في هجرها من غير بحث عن حقيقتها.
و ذلك أنه ما لم يعرف حقيقه الشيء فلا يجوز أن يمدح و لا أن يذم.
فإذا بحثنا عن الدنيا رأينا هذه الأرض البسيطة التي جعلت قراراً للخلق، تخرج منها أقواتهم، و يدفن فيها أمواتهم.
و مثل هذا لا يذم لموضع المصلحة فيه.
و رأينا ما عليها من ماء، و زرع، و حيوان، كله لمصالح الآدمي، و فيه حفظ لسبب بقائه.
و رأينا بقاء الآدمي سبباً لمعرفة ربه، و طاعته إياه، و خدمته. و ما كان سبباً لبقاء العارف العابد، يمدح و لا يذم.
فبان لنا أن الذم إنما هو لأفعال الجاهل، أو العاصي في الدنيا.
فإنه إذا اقتنى المال المباح، و أدى زكاته، لم يلم.
فقد علم ما خلف الزبير، و ابن عوف و غيرهما.
و بلغت صدقة علي ـ رضي الله عنه ـ أربعين ألفاً.
و خلفت ابن مسعود تسعين ألفاً.
و كان الليث ابن سعد يستغل كل سنة عشرين ألفاً.
و كان سفيان يتجر بمال.
و كان ابن مهدي يستغل كل سنة ألفى دينار.
- و إن أكثر من النكاح و السراري، كان ممدوحاً لا مذموماً ..
فقد كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زوجات و سراري.
و جمهور الصحابة، كانوا على الإكثار من ذلك.
و كان لعلي بن أبي طالب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أربع حرائر، و سبع عشرة أمة.
و تزوج ولده الحسن، نحو أربعمائة.
فإن طلب التزوج للأولاد، فهو الغاية في التعبد، و إن أراد التلذذ فمباح، يندرج فيه من التعبد ما لا يحصى، من إعفاف نفسه و المرأة، إلى غير ذلك. و قد أنفق موسى ـ عليه السلام ـ من عمره الشريف عشر سنين في مهر بنت شعيب.
فلولا أن النكاح من أفضل الأشياء، لما ذهب كثير من زمان الأنبياء فيه.
و قد قال ابن عباس رضي الله عنهما: [خيار هذه الأمة أكثرها نساء].
و كان يطأ جارية له، و ينزل في أخرى.
و قالت سرية الربيع بن خيثم: كان الربيع يعزل.
- و أما المطعم: فالمراد منه تقوية هذا البدن لخدمة الله عز وجل، و حق على ذي الناقة أن يكرمها لتحمله.
و قد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، يأكل ما وجد, فإن وجد اللحم أكله , و يأكل لحم الدجاج، و أحب الأشياء إليه الحلوى و العسل، و ما نقل عنه أنه امتنع من مباح.
و جيء علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - بفالوذج فأكل منه، و قال: " ما هذا "؟ قالوا: يوم النوروز، فقال: " نوروزا كل يوم ".
و إنما يكره الأكل فوق الشبع، و اللبس على وجه الاختيال و البطر.
- و قد اقتنع أقوام بالدون من ذلك، لأن الحلال الصافي لا يكاد يمكن فيه تحصيل المراد، و إلا فقد لبس النبي حلة اشتريت له بسبعة و عشرين بعيراً.
وكان لتميم الداري حلة اشتريت بألف درهم، يصلي فيها بالليل.
فجاء أقوام، فأظهروا التزهد، و ابتكروا طريقة زينها لهم الهوى، ثم تطلبوا لها الدليل.
و إنما ينبغي للإنسان أن يتبع الدليل، لا أن يتبع طريقاً و يتطلب دليلها.
ثم انقسموا:
فمنهم:
_ متصنع في الظاهر، ليث الشرى في الباطن، يتناول في خلواته الشهوات، و ينعكف على اللذات. و يري الناس بزيه أنه متصوف متزهد، و ما تزهد إلا القميص، و إذا نظر إلى أحواله فعنده كبر فرعون.
_ و منهم: سليم الباطن، إلا أنه في الشرع جاهل.
_ و منهم: من تصدر، و صنف، فاقتدى به الجاهلون في هذه الطريقة، و كانوا كعمي اتبعوا أعمى.
و لو أنهم تلمحوا للأمر الأول، الذي كان عليه الرسول و الصحابة _رضي الله عنهم _ لما زلوا.
- و لقد كان جماعة من المحققين،لا يبالون بمعظم في النفوس إذا حاد عن الشريعة، بل يوسعونه لوما.
¥