فإذا كان الماء موجوداً كان تحريك اليدين بالتيمم عبثاً. و ليس من ضرورة وجود الماء أن يكون إلى جانب المحدث، بل لو كان على أذرع كثيرة، كان موجوداً فلا فعل للتيمم و لا أثر حينئذ.
و من تأمل هذه الأشياء، علم أن فقيهاً واحداً ـ و إن قل أتباعه و خَفَتَ إذا مات أشياعه ـ أفضل من ألوف تتمسح العوام بهم تبركاً، و يشيع جنائزهم ما لا يحصى.
و هل الناس إلا صاحب أثر نتبعه، أو فقيه يفهم مراد الشرع و يفتي به؟ نعوذ بالله من الجهل، و تعظيم الأسلاف تقليداً لهم بغير دليل!
فإن من ورد المشرب الأول، رأى سائر المشارب كدرة.
و المحنة العظمى مدائح العوام، فكم غرت!!
كما قال علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: " ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئاً ".
و لقد رأينا و سمعنا من العوام، أنهم يمدحون الشخص، فيقولون: لا ينام الليل، و لا يفطر النهار، و لا يعرف زوجة، و لا يذوق من شهوات الدنيا شيئاً، قد نحل جسمه، و دق عظمه حتى أنه يصلي قاعداً، فهو خير من العلماء الذين يأكلون و يتمتعون.
ذلك مبلغهم من العلم، و لو فقهوا علموا أن الدنيا لو اجتمعت في لقمة فتناولها عالم يفتي عن الله، و يخبر بشريعته، كانت فتوى واحدة منه يرشد بها إلى الله تعالى خيراً و أفضل من عباده ذلك العابد باقي عمره!.
و قد قال ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: " فقيه واحد، أشد على إبليس من ألف عابد ".
و من سمع هذا الكلام فلا يظنن أنني أمدح من لا يعمل بعلمه.
و إنما أمدح العاملين بالعلم، و هم أعلم بمصالح أنفسهم. فقد كان فيهم من يصلح على خشن العيش، كأحمد بن حنبل. و كان فيهم من يستعمل رقيق العيش، كسفيان الثوري مع ورعه، و مالك مع تدينه، و الشافعي مع قوة فقهه.
و لا ينبغي أن يطالب الإنسان بما يقوى عليه غيره، فيضعف هو عنه.
فإن الإنسان أعرف بصلاح نفسه. و قد قالت رابعة: " إن كان صلاح قلبك في الفالوذج، فكله ".
و لا تكون أيها السامع ممن يرى صور الزهد. فرب متنعم لا يريد التنعم و إنما يقصد المصلحة.
و ليس كل بدن يقوى على الخشونة، خصوصاً من قد لاقى الكد و أجهده الفكر، و أمضه الفقر، فإنه إن لم يرفق بنفسه، ترك واجباً عليه من الرفق.
فهذه جملة لو شرحتها بذكر الأخبار و المنقولات لطالت، غير أني سطرتها على عجل حين جالت في خاطري، و الله ولي النفع برحمته.
[صيد الخاطر صـ66].
ولا يفهم من هذا التقعيد عدم الحث على الزهد والتقلل من فضولات المباحات .. والصبر على القليل ..
وإنما جاء ما ذكر في معرض الرد على من غلى وابتدع.
والله أعلم.
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[24 - 02 - 10, 02:57 م]ـ
* من المعلوم أن مصطلح الصوفية مصطلح مطاط ..
إذ كان يطلق قديما على أهل العبادة والزهد , وهذا لايعني أن من يطلق عليه ذلك لايكون من أهل العلم, بل المراد أنه من المكثرين من العبادة.
× قال ابن تيمية" وكان السلف يسمون أهل الدين والعلم: القراء, فيدخل فيهم: العلماء والنساك, ثم حدث بعد ذلك اسم: الصوفية والفقراء ... " [الفرقان ص74]
المراد بما سبق_ وهو ظاهر_: من جعلوا اسم الصوفية ذلولا لإدخال البدع والمحدثات على أهل الإسلام, ممن هم أبعد الناس عن العبادة واستشعارها.
بل غاية ما معهم خرافات وأباطيل وتلبيس ابليس.
وهم مع ذلك يزعمون أن أصل العلم معهم, وأن الناس أصحاب ظواهر , وأما علمهم فباطن.
والله أعلم.