أما زعمهم أنهم السابقون إلى تقرير وحدة الأديان والاجتماع على الدين الحق والأخوة الصادقة واحترام كل شخص للآخر في إطار الإيمان بالله تعالى وبرسله، فلا يجهل أحد من المسلمين أن هذه الفكرة ليست من بنات أفكار المازندراني ولا من وحيه، وإنما هذا مبدأ إسلامي قرره الله في القرآن الكريم والنبي العظيم، وليس للبهاء فيها إلا تلك العبارات التي أراد أن يحاكي بها ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، فإن الله تعالى قد أمر نبيه أن يخاطب أهل الكتاب بالرجوع إلى الحق والتعمق في استخراجه فقال لنبيه: ? قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ?.
وهذا الطلب قد جعله الله تعالى في إطار الاقتناع واللين فقال:
? لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ? (48). بل وأكد عز وجل على البر والعدل تجاه المخالفين للدين الصحيح، ما داموا لم يواجهوا المسلمين بأذى فقال تعالى: ? لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ? (49).
فهل جاء المازندراني بمثل هذا العدل والتسامح مع المخالفين إلى حين إقناعهم بالحق أم أَمَرَ فوراً أن يُقتل المخالف لمبادئه، وأن تحرق الكتب الأخرى غير كتبه، وألا ينظر الناس إلا في جماله وبهائه وكتبه، وألا يفكروا إلا فيه وفي رضاه لا غير؟
نعم، لم يأت في الحث على وحدة الأديان إلا بمثل تلك السخافات التي أراق من أجلها كثيراً من الدماء هدراً، وذم لأجلها كل الأنبياء والرسل وكل المصلحين لقصورهم في زعمه عن بيان حقيقته ودعوته المشؤومة، حيث كان أهم ما أرسلوا به إنما هو التبشير بظهور البهاء.
وبالرجوع إلى مناداة البهائية بوحدة الأديان نجد أن الإسلام قد حث وأبلغ في وجوب التمسك بالدين الحنيف المنزل من رب العالمين، بحيث لو طبقه البشر لسعدوا في الدنيا والآخرة.
2 - وحدة الأوطان:
أما دعوتهم هذه إلى وحدة الاوطان فمعناها أن العالم يجب أن ينتمي كله إلى وطن واحد، وأن ينتمي إلى جزء من الأرض متعصب رديء صاحب خرافة ووهم، لأن الشريعة البهائية قد طلبت أن تكون الأرض وطناً واحداً لجميع العالم، ويجب أن تنمحي الحدود بين البلدان ودون النظر إلى أي اعتبار، وأن يتعايش الناس فيها دون النظر إلى أي اعتبار سياسي أو اجتماعي.
والواقع أن هذه الدعوى يدل ظاهرها على أنها من الأمور التي يتمناها كل إنسان في هذه الأرض المملوءة بالشرور والظلم، والدعوة إلى تحقيقها من الأمور التي تلفت النظر بشدة، إذ إن لها لمعاناً وبريقاً يخطف الأبصار.
ويلحق بمحو فكرة الأوطان المختلفة أن يمحي أمراً هاماً جداً من أذهان الناس تبعاً لمحو فكرة الأوطان، ألا وهو محو فكرة الجهاد وحمل السلاح، فقد قاد المازندراني وأتباعه حملة شرسة مضنية في إبطال قتال الكفار أياً كانوا، أو حتى مجرد النية في ذلك.
والنتيجة من وراء هذا الطلب وتقريره لا تحتاج إلى تفكير واجتهاد لاستخلاصها، فالقصد منها هو رد الجميل للروس والإنجليز واليهود الذين كانوا وراء نبوّته ثم ألوهيته وزعامته لكي يبسطوا نفوذهم دون المقاومة أو احتجاج من الناس -وخصوصاً المسلمين- لأن الشريعة الجديدة كما يزعم تأمر بهذه الطاعة، وتنهى عن رفع السلاح في وجود أي جنس من الناس مهما كان دينهم.
وهذا هو السر في وقوف أولئك الطامعين في استعمار البلدان الإسلامية والعربية جنباً إلى جنب، في بناء البهائية وتأييدها والذب عنها.
3 - وحدة اللغة:
وأما بالنسبة لوحدة اللغة؛ أي اختيار لغة واحدة للعالم كله تكون مشتركة فيما بينهم للتفاهم فهي الفكرة التي يتظاهرون بالحرص عليها جداً، ويزعمون أنها لا تتحقق إلا بمباركة المازندراني لها. وهي محاولة مكشوفة لإبعاد المسلمين عن لغة كتاب ربهم بطريقة ماكرة.
¥