[درر عقدية تيمية (2): لماذا إذا نفى أهل العلم أن يشرك أحد بالله خصوا الأنبياء بالنفي؟]
ـ[أبوعبدالملك النصري]ــــــــ[19 - 10 - 10, 11:58 م]ـ
لماذا إذا نفى الأئمة أن يشرك أحد بالله خصوا الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام بالنفي؟
قال شيخ الاسلام في الرد على البكري (ص230 - 235):
إذا كان النفي لا يصلح لمخلوق فذكرتَ الأنبياء والملائكة على سبيل تحقيق النفي العام؛ كان هذا من أحسن الكلام وكان هذا من باب التنبيه كما يقال: لا تجوز العبادة إلا لله تعالى لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل؛ فينبه بنفيها عن الأعلى على انتفائها عمن هو دونهم بطريق الأولى
وكذلك إذا كان المخصوص بالذكر ممن قد حصل فيه غلو كما يقال: ليس في الصحابة معصوم لا علي ولا غيره وليس في النبيين إله لا المسيح ولا غيره؛ فهذا أحسن
فالمخصص إذا كان فيه فائدة مطلوبة كان حسنا، ومنه قوله تعالى: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى أم للإنسان ما تمنى فلله الآخرة والأولى وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى)
فنفى سبحانه أن تغني شفاعة الملائكة الذين في السماء إلا من بعد إذنه تنبيهاً بذلك على أن من دونهم أولى أن لا تغني شفاعتهم؛ فإن المشركين كانوا يقولون عن الأصنام إنها تشفع لهم؛ قال تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون)
ولا يجوز أن يكون الكلام تنقيصا بالملائكة ولذلك قال تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبرفسيحشرهم إليه جميعا)؛ فإنه لما كان الكلام في إثبات توحيد الله تعالى والنهى عن الغلو في الدين الذي فيه تشبيه المخلوق بالخالق قال: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون) بعد أن قال: (إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)
وقال في الآية الأخرى: (ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) الآية فنسبه إلى أمه- وهذا قد جرى في القرآن في غير موضع- فنسبه إلى أمه؛ لينفي نسبته إلى غيرها؛ فلا ينسب إلى الله تعالى أنه ابنه ولا إلى أب من البشر كما زعمت النصارى الغالية فيه ولا كما زعمت اليهود الكافرة به
وأبلغ من هذا قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا)؛ فذكر أهل الأرض جميعا وخص المسيح وأمه بالذكر من أنه إن أراد إهلاكهم لن يملك أحد لهم منه شيئا؛ لأن المسيح وأمه اتخذوا إلهين كما قال تعالى: (وإذا قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله)؛ فكان التخصيص بالذكر لينفي هذا الشرك و الغلو الذي وقع في المسيح وأمه ولم يكن ذلك من باب التنقيص بالمسيح و أمه، بل كان التخصيص لأجل أن الكلام وقع في ذلك المعين؛ فالتخصيص للحاجة إلى ذكر المخصوص و العلم به أو لأجل التنبيه به على ما سواه، و لهذا لا يكون التخصيص في هذا مفهومه مخالفة بنفي نقيض الحكم عن ما سواه و حتى الذي يسمى دليل الخطاب للتخصيص؛ لم يكن للاختصاص بالحكم
وقال تعالى: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب و الحكم و النبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب و بما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة و النبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون)؛ فتخصيص الملائكة و النبيين بالذكر تنبيه على من دونهم فإنه أن لا يأمر باتخاذ الصالحين أربابا بطريق الأولى
¥