الرد على شُبهة أنَّ حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن
ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[17 - 11 - 10, 09:07 م]ـ
لقد عرضت لهم شبهة ثم صارت لديهم عقيدة، وهي أنَّ حجيث الآحاد لا يُفيد إلا الظن، ويعنون به الظن الراجح طبعاً. والظن الراجح يجب العمل به في الأحكام اتفاقاً، ولا يجوز الأخذ به عندهم في الأخبار الغيبية والمسائل العلمية، وهي المراد بالعقيدة. ونحن لو سلَّمْنا لهم جدلاً بقولهم "إنَّ حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن" على إطلاقه؛ فإنَّا نسألهم: مِن أين لكم هذا التفريق؟ وما الدليل على أنه لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة؟
لقد رأينا بعض المعاصرين يستدلُّون على ذلك بقوله تعالى: ?إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ? [سورة النجم – الآية 23]، وبقوله سبحانه: ?إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ? [سورة النجم – الآية 28]، ونحو ذلك مِن الآيات التي يذُم الله تعالى فيها المشركين على اتباعهم الظن. وفات هؤلاء المستدلين أن الظن المذكور في هذه الآيات ليس المراد به الظن الغالِب الذي يفيده خبر الآحاد والواجب الأخذ به اتفاقاً، وإنما هو الشك الذي هو الخرص. فقد جاء في "النهاية" و"اللسان" وغيرهما من كُتُب اللغة: (("الظن": الشك يعرِض لك في الشيء فتحققه وتحكم به)).
فهذا هو الظن الذي نعاه الله تعالى على المشركين، ومما يؤيد ذلك قوله تعالى فيهم: ?إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ? [سورة يونُس – الآية 66]، فجعل الظن هو الخرص الذي هو مجرد الحرز والتخمين.
ولو كان الظن المنعي على المشركين في هذه الآيات هو الظن الغالِب – كما زعم أولئك المستدلون – لم يجُز الأخذ به في الأحكام أيضاً، وذلك لسببين اثنين:
الأول: أنَّ الله أنكره عليهم إنكاراً مطلقاً، ولم يخصه بالعقيدة دون الأحكام.
الآخر: أنه تعالى صرَّح في بعض الآيات أنَّ الظن الذي أنكره على المشركين يشمل القول به في الأحكام أيضاً، فاسمع قوله تعالى الصريح في ذلك: ?سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا? (فهذا عقيدة) ?وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ? (وهذا حُكم) ?كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ? [سورة الأنعام – الآية 148]، ويفسرها قوله تعالى: ?قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ? [سورة الأعراف – الآية 33].
فثبت مما تقدَّم أنَّ الظن الذي لا يجوز الأخذ به إنما هو الظن اللغوي المرادف للخرص والتخمين، والقول بغير عِلم، وأنه يُحَرَّم الأخذ به في الأحكام كما يُحَرَّم الأخذ به في العقائد، ولا فرق.
وإذا كان الأمر كذلك فقد سلم لنا القول المتقدم: إنَّ كل الآيات والأحاديث المتقدمة الدالَّة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام، تدُل أيضاً بعمومها وشمولها على وجوب الأخذ به في العقائد أيضاً. والحق أنَّ التفريق بين العقيدة والأحكام في وجوب الأخذ فيها بحديث الآحاد فلسفة دخيلة في الإسلام، لا يعرفها السلف الصالح ولا الأئمة الأربعة الذي يقلدهم جماهير المسلمين في العصر الحاضر.
كتبه: محمد ناصر الدين الألباني، رحمه الله
مِن رسالة بعنوان: الحديث حُجَّة بنفسه في العقائد والأحكام،
وهي محاضرة كان ألقاها في مؤتمر اتحاد الطلبة المسلمين الذي انعقد في مدينة غرناطة، في شهر رجب 1392 هـ.
ـ[أبو عبد البر طارق دامي]ــــــــ[17 - 11 - 10, 09:22 م]ـ
للمزيد من الفائدة ينظر المراجع التالية
رسالة دكتوراة للشيخ القاضي برهون وهو من علماء المغرب اسمها خبر الواحد في التشريع و حجيته ,و خبر الواحد و حجيته لأحمد الشنقيطي و أخبار الأحاد في الحديث النبوي لعبد الله المطرفي و حكم الاحتجاج بخبر الواحد إذا عمل الراوي بخلافه لحسان فلمبان وو خبر الواحد في السنة لسهير مهنا وحجية خبر الآحاد في العقيدة لشعبان اسماعيل ...... و أصل الإعتقاد لعمر الأشقر/ نقلت هذه المراجع من شرح الورقات لمشهور حسن أثابه الله /صفحة 454/طبعة دار الإمام مالك