كتب إلي أحد علماء الهند كتابا يقول فيه: إنه اطلع غلى مؤلف ظهر حديثا بلغة (التأميل) وهي لغة الهنود الساكنين بناقور وملحقاتها بجنوب مدارس.
موضوعه: تاريخ حياة السيد عبد القادر الجيلاني، وذكر مناقبه وكراماته، فرأى فيه من الصفات والألقاب التي وصف بها الكاتب السيد عبد القادر ولقبه بها صفات وألقابا هي بمقام الألوهية أليق منها بمقام النبوة، فضلا عن مقام الولاية كقوله: (سيد السموات والأرض) و (النفاع الضرار) و (المتصرف في الأكوان) و (المطلع على أسرار الخليقة) و (محيي الموتى) و (مبدئ الأعمى والأبرص والأكمه) و (أمره من أمر الله) و (ماحي الذنوب) و (دافع البلاء) و (الرافع الواضع) و (صاحب الشريعة) و (صاحب الوجود التام) إلى كثير من أمثال هذه النعوت والألقاب.
ويقول الكاتب: إنه رأى في ذلك الكتاب فصلا يشرح فيه المؤلف الكيفية التي يجب أن يتكيف بها الزائر لقبر السيد عبد القادر الجيلاني يقول فيه:
"أول ما يجب على الزائر: أن يتوضأ وضوءا سابغا ثم يصلي ركعتين بخشوع واستحضار، ثم يتوجه إلى تلك الكعبة المشرفة، وبعد السلام على صاحب الضريح المعظم يقول:
يا صاحب الثقلين أغثني وأمدني بقضاء حاجتي وتفريج كربتي أغثني يا محيي الدين عبد القادر .. أغثني يا ولي عبد القادر أغثني يا سلطان عبد القادر .. أغثني يا بادشاه عبد القادر أغثني يا خوجة عبد القادر).
(يا حضرة الغوث الصمداني يا سيدي عبد القادر الجيلاني، عبدك ومريدك مظلوم عاجز محتاج إليك في جميع الأمور في الدين والدنيا والآخرة).
هذا ما كتبه إلي ذلك الكاتب .. ويعلم الله أني ما أتممت قراءة رسالته حتى دارت بي الأرض الفضاء وأظلمت الدنيا في عيني فما أبصر مما حولي شيئا حزنا وأسفا على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوام أنكروه بعدما عرفوه ووضعوه بعدما رفعوه وذهبوا به مذاهب لا يعرفها ولا شأن له بها.
أي عين يجمل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع فلا تريقها أمام هذا المنظر المؤثر المحزن، منظر أولئك المسلمين وهم ركع سجد على أعتاب قبر ربما كان بينهم من هو خير من ساكنه في حياته، فأحرى أن يكون ذلك بعد مماته!
أي قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة واحدة فلا يطير جزعا حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر من المشركين إشراكا بالله وأوسعهم دائرة في تعدد الآلهة وكثرة المعبودات.
هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد، أما اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة والظاهر تارة أخرى فقد ذلت رقابهم وخفقت رؤوسهم وضرعت نفوسهم وأموالهم ومواطنهم وديارهم فأصبحوا من الخاسرين.
والله لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهناءتها إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد، وأن طلوع الشمس من مغربها وانصباب ماء النهر في منبعه أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده ما دام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله، ويقولون للأول كما يقولون للثاني: "أنت المتصرف في الكائنات، وأنت سيد الأرضين والسموات".
إن الله أغير على نفسه من أن يسعد أقواما يزدرونه ويحتقرونه ويتخذونه وراءهم ظهريا، فإذا نزلت بهم جائحة أو ألمت بهم ملمة، ذكروا الحجر قبل أن يذكروه، ونادوا الجذع قبل أن ينادوه.
فهل تعلمون أن السلف الصالخ كانوا يجصصون قبرا أو يتوسلون بضريح؟ وهل تعلمون أن واحداً منهم وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر أحد من أصحابه وآل بيته يسأله قضاء حاجة أو تفريج همّ؟
وهل تعلمون أن الرفاعي والدسوقي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين؟
وهل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل نهى عنها عبثا ولعبا؟ أم مخافة أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى؟ وأي فرق بين الصور والتماثيل وبين الأضرحة والقبور ما دام كل منها يجر إلى الشرك ويفسد عقيدة التوحيد؟ " ا. هـ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
¥