وانظر أيضاً إلى ما حصل يوم أحد، لما قاتل المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين وأرادوا النصر عليهم، فلم يتم ذلك، مع ما بذلوه من الأسباب، وقد أنزل الله –عز وجل- آيات كثيرة في سورة آل عمران فيها تربية وتوجيه للمسلمين، بسبب ما حصل منهم.
وانظر أيضاً إلى ما حصل من علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معركة صفين، حاول أن ينتصر على الطرف المقابل وبذل وسعه، فلم يتم له هذا المراد.
وهذا علي بن أبي طالب وابنه الحسين رضي الله عنهما لم يستطيعا أن يدفعا عن نفسيهما ولا عن أهل بيتهما ولا أن يردوا قدر الله السابق فيهم؛ فأين عقول هؤلاء الذين يدعون علياً والحسين من دون الله عز وجل.
فأين هؤلاء الذين يدعون علياً والحسين من دون الله –عز وجل-؟ لم يستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم أو يردوا قدر الله السابق فيهم وعن أهل بيتهم.
وهذا أمر معلوم بالعقل لا يستطيع أحد من الناس أن ينفك عنه، وأمر مشاهد محسوس لا يمكن دفعه، وقد كان علي والحسين –رضي الله عنهما- يلجئون إلى ربهم في حالات الشدة ويدعونه، فعلى من يزعم محبتهم أن يسلك سبيلهم ويتبع طريقتهم.
وقد وصل الأمر ببعض الناس أنه في بيت الله الحرام وعند الكعبة، عندما أراد أن يقوم قال: يا علي؟! فسمعه بعض أهل العلم، فقال له: لو كنت في بيت أحد من الناس واحتجت إلى حاجة من البيت، هل تذهب إلى جار صاحب البيت أو تسأل صاحب البيت نفسه، فما كان منه إلا أن قال: أسأل صاحب البيت نفسه، فانظر بارك الله فيك أنه لم يستطع دفع ذلك، بل اعترف بالحق.
ولذا قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) [الإسراء: 57].
وأضرب مثلاً آخر يعقله كل الناس: لو أن رجلاً أغناه الله –عز وجل- وأعطاه من الأموال الشيء الكثير وله أولاد، وكان دائماً يقول لأولاده: إذا احتجتم إلى شيء من المال أو الطعام أو الكساء فأخبروني، فكان هؤلاء الأولاد لا يطلبون منه، بل يذهبون إلى الجيران ويسألونهم، فهل فعلهم موافق للعقل؟! أو من السفه المنافي للعقل، وهذا فيما يتعلق بالخلق فكيف بالله –عز وجل- الذي له المثل الأعلى.
فعلى العبد أن يتجه إلى ربه الذي هو خالقه وسيده ومولاه في قضاء حاجاته وتفريج كرباته.
وقد يحتج بعض الناس بمعجزات الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- في دعاءهم من دون الله، وأن موسى –عليه السلام- مثلاً كان يضرب الحجر فيخرج منه الماء، وأن عيسى كان يحي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص.
فأقول جواباً عن ذلك:
أولاً: أن هذه المعجزات إنما هي من الله، قال تعالى: (قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) [آل عمران: 49].
فعلى العبد أن يسأل الله الذي أعطى هذه المعجزات لهم.
ثانياً: أن هؤلاء الأنبياء –عليهم السلام- كانوا يسألون الله –عز وجل- كما تقدم في الآيات، فعليك يا أيها المرء أن تقتدي بهم، فهم القدوة والأسوة الحسنة.
ثالثاً: أن الأدلة السابقة واضحة في الدلالة على المنع من ذلك، بل حتى فيما يقدر عليه الإنسان الأولى بالمرء أن يبدأ بسؤال الله –عز وجل- أولاً.
وقد حكي عن أبي جعفر محمد الباقر –رحمه الله تعالى- أنه قال: من عرضت له حاجة إلى مخلوق، فليبداً بالله –عز وجل-.2
* * *
الوجه الثامن: أن الله –عز وجل- كما أمر عباده أن يدعوه وحده ونهى عن دعاء غيره، فهو يحب من عباده أن يدعوه ويستغيثوا به ويلجئوا إليه في جميع أمورهم ومختلف شؤونهم، فالدعاء عبادة محبوبة لله تعالى فالذي يدعو ربه تعالى يفعل شيئاً محبوباً له مقرّباً لديه، ودليل ذلك: الحديث القدسي، وهو حديث عظيم، قال –عليه الصلاة والسلام-: "ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ".
وقد جاء هذا الحديث عن جمع من الصحابة، وهو مخرج في الصحيحين والسنن والمسانيد، وهو حديث صحيح متواتر، وللدارقطني جزء في طرق هذا الحديث ورواياته.
¥