فإنه إنما يقال استوى على الشئ إذ كان ذلك الشئ عاصيا عليه قبل استيلائه عليه، كاستيلاء بشر على العراق، واستيلاء الملك على المدينة بعد عصيانها عليه، وعرش الرب لم يكن ممتنعا عليه نفسا واحدا، حتى يقال استولى عليه، أو معنى الاستواء الاستيلاء، ولا تجد أضعف من حجج الجهمية، حتى أداهم الافلاس من الحجج إلى بيت هذا النصراني المقبوح وليس فيه حجة والله أعلم.))
وكثير من الأشعرية –كالجويني ومن وافقه وهم عامة المتأخرين- هم من يحتج بهذا البيت لتقرير التأويل، فتأمل وصف المحتج بهذا البيت-مطلقاً فهو لم يقيد- بالجهمية مع معرفته بأن عامة أشعرية عصره على هذا.
ثم تأمل موقفه من ما حصل بين أهل السنة والأشعرية في عصره -أعني بين ابن تيميه وخصومه-تعرف مع أي جماعة هو، أنظر قوله:
((وبحثوا في "الحموية" وناقشوه في أماكن منها، فأجاب عنها بما أسكتهم بعد كلام كثير)) أسكت من؟ أسكت الأشعرية.
ويقول عن مناظرة شيخ الإسلام لهم في الواسطية: ((وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين "الواسطية" .. وحضر الشيخ صفي الدين الهندي، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاماً كثيرا، لكن ساقيته لاطمت بحرا!!)) والبحر هو البحر السني السلفي
وقوله: ((وفي ليلة عيد الفطر أحضر الامير سيف الدين سلار نائب مصر القضاة الثلاثة وجماعة من الفقهاء فالقضاة الشافعي والمالكي والحنفي، والفقهاء الباجي والجزري والنمراوي، وتكلموا في إخراج الشيخ تقي الدين بن تيمية من الحبس، فاشترط بعض الحاضرين عليه شروطا بذلك، منها أنه يلتزم بالرجوع عن بعض العقيدة وأرسلوا إليه ليحضر ليتكلموا معه في ذلك، فامتنع من الحضور وصمم، وتكررت الرسل إليه ست مرات، فصمم على عدم الحضور، ولم يلتفت إليهم ولم يعدهم شيئا، فطال عليهم المجلس فتفرقوا وانصرفوا غير مأجورين.))
وقوله: ((ثم اجتمعوا يوم الاحد بمرسوم السلطان جميع النهار، ولم يحضر أحد من القضاة بل اجتمع من الفقهاء خلق كثير، أكثر من كل يوم، منهم الفقيه نجم الدين بن رفع وعلاء الدين التاجي، وفخر الدين ابن بنت أبي سعد، وعز الدين النمراوي، وشمس الدين بن عدنان وجماعة من الفقهاء وطلبوا القضاة فاعتذروا بأعذار، بعضهم بالمرض، وبعضهم بغيره، لمعرفتهم بما ابن تيمية منطوي عليه من العلوم والأدلة، وأن أحدا من الحاضرين لا يطيقه، فقبل عذرهم نائب السلطنة ولم يكلفهم الحضور بعد أن رسم السلطان بحضورهم أو بفصل المجلس على خير، وبات الشيخ عند نائب السلطنة وجاء الامير حسام الدين مهنا يريد أن يستصحب الشيخ تقي الدين معه إلى دمشق، فأشار سلار بإقامة الشيخ بمصر عنده ليرى الناس فضله وعلمه، وينتفع الناس به ويشتغلوا عليه.))
(( .. وكتبوا في حقه-أي الآملي- محاضر بأشياء قادحة في الدين فرسم بصرفه عنهم وعومل بنظير ما كان يعامل به الناس، ومن جملة ذلك: قيامه على شيخ الإسلام ابن تيميه، وافتراؤه عليه الكذب مع جهله وقله ورعه، فعجل الله له هذا الجزاء على يد أصحابه وأصدقائه جزاءً وفاقا))
فتبين من هذا كله-وقد تركت الكثير- بطلان دعوى أنه أشعري وأنه من أشعريتهم براء!! فإما أن تكون العبارة لا تصح أو تكون على وجه المزاح كما ذكر أحد الأخوة، وإما أن يقال:
في الوجه الثالث: أنه قد تبين أنه ليس على مذهب الأشعرية الذي استقر عليه القوم فيجوز أن يكون قد نسب نفسه للأشعرية على اعتبار ما ورد في الإبانة وقد ذكر شيخه شيخ الإسلام أن من قال بما في الإبانة ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهو من أهل السنة (1)، وابن كثير قد نقل في طبقاته أن الأشعري مر بثلاثة أحوال معتزلي ثم كلابي ثم سلفي وقال: ((الحال الثانية إثبات الصفات العقلية السبعة .. وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك والحال الثالثة إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف، وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً)) وهذه الإبانة هي التي ينقل منها شيوخه ابن تيميه والذهبي والتي يقول القوم أنها مدسوسة عليه وأن بها حشو وتجسيم واضح!!
الوجه الرابع: أن القوم أنفسهم اعترفوا بنفي نسبته للأشعرية ووصفوا معتقده بالفساد وأنه على طريقة واحدة هو وابن تيميه، فكيف يكونوا -هو وهم- جميعاً أشاعرة!!؟ ولو كان ابن كثير معهم لما قالوا هذا فيه فالحمد لله الذي أنطقهم بالحق،، وفي مقدمة "الإشارة في علم الكلام" للرازي تحقيق بعض أتباع سعيد فودة وبإشرافه هو وبتقديم علي جمعه مفتي مصر الأشعري فيه ص 32: ((ابن كثير والذهبي كانا على طريقة ابن تيميه في العقائد وإن كان ابن كثير أقل من الذهبي والذهبي أقل من شيخه، إلا أنهم يجمعهم طريقة واحدة في العقائد))، وأذكر أنني قرأت للكوثري-وسأبحث عن لفظه وموضعه إن شاء الله- أن ابن تيميه أفسد معتقد ابن كثير فابن كثير فاسد المعتقد عنده.
====
هذا ما يحضرني في جواب هذه الشبهة، أما أن المبتدعة يزعمون أن الذهبي وابن تيمية! إلخ على مذهبهم بسبب كلمة مبتورة هناك او هناك، فيقال: ينبغي أن تعلم أخي أن معرفة منهج أحد الأئمة في العقيدة يتطلب النظر في منهجه -من عامة كتبه- في مصدر التلقي وموقفه من تعارض العقل والنقل وخبر الآحاد في العقيدة على سبيل المثال، وموقفه من توحيد العبادة وكذا الأسماء والصفات خصوصاً المسائل الكبار كالعلو وكلام الله و الصفات الخبرية وكذلك عقيدته في الإيمان وعقيدة في القدر وأفعال العباد وغير ذلك، فليس الأمر مجرد كلمة تقتص عن سياقها وحسب!، ثم أهل السنة لا معصوم عندهم غير الأنبياء والرسل عليهم السلام، ولو غلط إمام سني في مسألة علمية أو عملية فلا يتابعوه عليها ولا يسوغوا الوقوع في الخطأ لمجرد أن ذاك الإمام قد زل فيها فالعبرة عندهم بالدليل، وهم كذلك لا يبدعوه لأجلها،، فالأمر كما يعبر أحد المشايخ بأن مذهب أهل السنة كالنهر الجاري والعلماء كالشجر المنتصب فيه ولو انكسر من أحدها غصن –وهي الزلة- فلا يتوقف النهر عن الجريان بل يبقى جار كما هو والغصن ما يلبث أن يتنحى.
هذا والله أعلم وبالله التوفيق.
¥