فهذا الاحتياط المبالغ فيه حيال القبر الشريف وقبري صاحبيه إنما هو استجابة دعائه صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» (33 - أخرجه أحمد في «مسنده»: (7352)، وأبو يعلى في «مسنده»: (1/ 312)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحح إسناده الألباني في «تحذير الساجد»: (22) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_33')))، فحماه الله تعالى بما حال بينه وبين الناس فلا يوصل إليه. وضمن هذا المعنى يقول ابن تيمية ?رحمه الله?: «ولهذا لما أدخلت الحجرة في مسجده المفضل في خلافة الوليد بن عبد الملك ?كما تقدم? بنوا عليها حائطًا وسنموه وحرفوه لئلاَّ يصلي أحد إلى قبره الكريم صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وفي موطأ مالك عنه أنه قال: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمِ مَسَاجِدَ»، وقد استجاب الله دعوته فلم يُتخذ ?ولله الحمد? وثنًا كما اتخذ قبر غيره، بل ولا يتمكن أحد من الدخول إلى حجرته بعد أن بنيت الحجرة، وقبل ذلك ما كانوا يمكِّنون أحدًا من أن يدخل إليه ليدعو عنده، ولا يصلي عنده، ولا غير ذلك ممَّا يفعل عند قبر غيره، لكن من الجهال من يصلي إلى حجرته، أو يرفع صوته أو يتكلم بكلام منهي عنه، وهذا إنما يفعل خارجًا عن حجرته لا عند قبره، وإلا فهو ?ولله الحمد? استجاب الله دعوته فلم يمكن أحد قط أن يدخل إلى قبره فيصلي عنده أو يدعو أو يشرك به كما فعل بغيره اتخذ قبره وثنًا، فإنه في حياة عائشة رضي الله عنها ما كان أحد يدخل إلاَّ لأجلها، ولم تكن تمكِّن أحدًا أن يفعل عند قبره شيئًا مما نهى عنه، وبعدها كانت مغلقة إلى أن أدخلت في المسجد فسدَّ بابها وبني عليها حائط آخر، كلُّ ذلك صيانة له صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أن يتخذ بيته عيدًا وقبره وثنًا، وإلاَّ فالمعلوم أنَّ أهل المدينة كلهم مسلمون ولا يأتي إلى هناك إلا مسلم، وكلهم مُعظِّمون للرسول صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وقبور آحاد أمته في البلاد معظمة، فما فعلوا ذلك ليستهان بالقبر المكرم، بل فعلوه لئلاَّ يتخذ وثنًا يعبد، ولا يتخذ بيته عيدًا، ولئلاَّ يفعل به كما فعل أهل الكتاب بقبور أنبيائهم» (34 - «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (27/ 237 - 328). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_34'))).
وفي هذا السياق نختم بقول ابن القيم ?في نونيته? وهو من أشد الناس إنكارًا على شبهات الشرك كشيخه ابن تيمية ?رحمهم الله تعالى? قال:
وَلَقَدْ نَهَانَا أَنْ نُصَيِّرَ قَبْرَهُ
وَدَعَا بِأَنْ لاَ يُجْعَلَ القَبْرُ الَّذِي
فَأَجَابَ رَبُّ العَالَمِينَ دُعَاءَهُ
حَتَّى اغْتَدَتْ أَرْجَاؤُهُ بِدُعَائِهِ
وَلَقَدْ غَدَا عِنْدَ الوَفَاةِ مُصَرِّحًا
وَعَنَى الأُلَى جَعَلُوا القُبُورَ مَسَاجِدًا
وَاللهِ لَوْلاَ ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ
قَصَدُوا إِلَى تَسْنِيمِ حُجْرَتِهِ ليمـ
قَصَدُوا مُوَافَقَةَ الرَّسُولِ وَقَصْدُهُ
عِيدًا حَذَارِ الشِّرْكَ بِالرَّحْمَنِ
قَدْ ضَمَّهُ وَثَنًا مِنَ الأَوْثَانِ
وَأَحَاطَهُ بِثَلاَثَةِ الجُدْرَانِ
فِي عِزَّةٍ وَحِمَايَةٍ وَصِيَانِ
بِاللَّعْنِ يَصْرُخُ فِيهِمْ بِأَذَانِ
وَهُمُ اليَهُودُ وَعَابِدُوا الصُّلْبَانِ
لَكِنْ حَجَبُوهُ بِالحِيطَانِ
ـتنع السُّجُودُ لَهُ عَلَى الأَذْقَانِ
التَّجْرِيدُ لِلتَّوْحِيدِ لِلرَّحْمَنِ (35 - «الكافية الشافية» لابن القيم: (2/ 352 - 354). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_35')))
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 28 ربيع الأول 1430ه
الموافق ل: 25 مارس 2009م
1 - رواه مالك في «الموطأ»: (1/ 231).
2 - «موطأ مالك بشرح تنوير الحوالك» للسيوطي: (1/ 229 - 231).
3 - «التمهيد» لابن عبد البر: (24/ 398 - 399).
4 - «الطبقات الكبرى» لابن سعد: (1/ 552).
5 - «تهذيب التهذيب» لابن حجر: (12/ 117).
6 - المصدر السابق نفسه: (11/ 250).
7 - المصدر السابق: (9/ 375)، و «تقريب التهذيب» لابن حجر: (2/ 196).
8 - «سنن ابن ماجه» (1/ 520) (رقم: 1628).
9 - «مسند البزار» (1/ 70) (رقم: 18).
¥