يقول الإمام الطبري في قوله: {فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ}: "فلا تتبعوا أهواء أنفسكم في الميل في شهاداتكم إذا قمتم بها؛ ولكن قوموا فيه بالقسط، وأدّوا الشهادة على ما أمركم الله بأدائها بالعدل لمن شهدتم عليه وله".
ونؤكد على أن أمتنا هي أمة الوسط بأمر الله، يقول العلامة عبدالرحمن السعدي في رسالة القواعد الحسان لتفسير القرآن:
"القاعدة (24):
وبالجملة ف كل شيء بين خلقين ذميمين، تفريط وإفراط، وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} "البقرة 143".
ونحن أمة الوسط، أمة العدل، تطلب الحق، وتقول الحق، وتموت في سبيل الحق.
نحن أمة نعرف الرجال بالحقِ؛ ولا نعرف الحق بالرجالِ.
ومن هؤلاء الذين لم يحاكموا بالعدلِ؛ بل صدرت فيه أحكام متناقضة-وإن كان من أهل السنة كثير عدلوا في ذلك-أحد حكام بني أمة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان رحمه الله ورضي الله عن أبيه وجده، فبينما حكمت الرافضة وغلت جداً في يزيد بتكفيره ولعنه ورميه قذفاً وبهتاناً بكلِ أمرٍ قبيح وشفيع؛ بينما النواصب قد أفرطوا وغلو في تزكيته إلى درجة رفعة منزلة أعلى من بعض الصحابة وممن صاحب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم من آل بيته كعلي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين عليهم السلام؛ وغلو في سب آل البيت عليهم السلام وناصبوهم العداء؛ في حين ناصبوا الرافضة الصحابة وخلفاء بني أمية العداء، وهذا خلل كبير في منهجية الرافضة والناصبة؛ وما هكذا يا سعد تورد الإبل.
وبين هؤلاء وأولئك وَقَفَ أهلُ السنةِ موقف العدل، ومعرفة الرجال بالحق، والحكم على الظواهر؛ أما البواطن فأمرها إلى الله، لا العكس.
ولذلك سنقف –بإذن الله- في مجلس الإنصاف مع يزيد بن معاوية، بعيداً عن الهوى {فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ}،لا غلو ولا إفراط كالنواصب والرافضة؛ بل هذه شهاداتنا وسيسألنا الله عنها.
وسنبدأ بكلمات عن يزيد، ثم ندرج مع الشيخ محمد بن إبراهيم الشيباني والترجمة الحافلة، ثم مع القصص وقفات كموقفة من مقتل الحسين عليه السلام، وقصة إباحة المدينة، وقصة إحراق الكعبة في عهد يزيد ومناقشتها نقاشاً علمياً؛ لا للعواطف والأقصوصات الضعيفة ضغطاً في الشهادة التي أسأل الله أن يغفر لي بها في دفاع عن مُسلم مظلوم.
نقف في مجلس العدل والإنصاف، نُحاكمه بالعدلِ؛ بعيداً عن الهوى، وما سبق من منهجية الوسطية هي حادينا نسأل الله الإعانة والإخلاص، ونسأل الله أن يوفقنا للحق، وأن يشرح صدورنا له.
كلمات في يزيد
"إن يزيد يوم تُمحص أَخباره، ويقف الناس على حقيقة حاله كما كان في حياته، يتبّين من ذلك أنه لم يكن دون كثير ممن تغنى التاريخ بمحامدهم، وأجزل الثناء عليهم."
مُحب الدين الخطيب رحمه الله
(العواصم من القواصم)
"فإن قيل: كان يزيد خمّاراً.
قلنا: لا يحل إلا بشاهدين؛ فمن شهد بذلك عليه؟ بل شهد العدل بعدالته."
أبو بكر بن العربي رحمه الله
(العواصم من القوام)
" .... وقد حضرته وأقمت عنده فرأيتهُ مواظبا على الصلاة، مُتَحَرِياً الخير، يسأل عن الفقه، مُلازماً للسنة."
محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
(البداية والنهاية)
وسيأتي بإذن الله أقوال أهل العلم في فضل أو التوقف أو نقد يزيد في مجلسنا هذا مع ترجمته بإذن الله.
حياته وخلافته ومبايعة المسلمين له
(60 - 64)
لما مات يزيد بن أبي سفيان ف خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولي عمر مكانه على أحد أرباع الشام أخاه معاوية بن أبي سفيان وذلك لأن الشام كانت أربعة أرباع:
الربع الواحد ربعُ فلسطين: وهو بيتُ المقدس إلى نهر الأردن الذي يُقال له الشريعة.
والربع الثاني: ربعُ الأردُن وهو من الشريعة إلى نواحي عجلون إلى أعمال دمشق.
والربع الثالث: دمشق.
والربع الرابع: حمص، وكانت سيْسُ وأرض الشمال من أعمال حمص.
وبقي معاوية أميراً على ذلك، وكان حلماً كريماً رضي الله عنه، إلى أن قُتلَ عُمر، ثم أقرهُ عثمان بن عفان رضي الله عنه على إمارته وضم إليه سائر الشام، فصار نائباً على الشامِ كله.
¥