وفي خلافة عثمان ولد لمعاوية ولدٌ سماه يزيد باسم أخيه، ويزيد الذي ولِدَ في خلافة عثمان هو من تولى الملك بعد أبيه معاوية "وذلك سنة 60 وبقي حتى عام 64" ^1^ وكان سبب تولية معاوية ابنه يزيد الحكم الفتن التي تلاحقت يتلو بعضها بعضاً، وكان من الصعوبة أن يلتقي المسلمون على خليفة واحد، خاصة والقيادات المتكافئة في الإمكاناتِ قد يَضْرِبُ بعضها بعضاً، فتقع الفتن والملاحم بين المسلمين مرةً ثانية، ولا يعلم مدى ذلك بعد إلا الله تعالى.
ورأى معاوية أن ابنه يزيد قد تمرسَ بالسلطةِ، وخبر أساليبها، ومارسَ جوانب من مسئولياتها، وعرفَ فُنونَها وطَرائقُها، وقادَ الجيوش، وحاصرَ العدو، وعرفَ نكايته وأساليبه وطرائقه،؛وكان هذا كافياً عند معاوية رضي الله عنه لأن يقع اختياره على ابنه يزيد؛ وكانت هذه القناعة واضحة في خط معاوية السياسي كله.
ولهذا قال لعبدالله بن عمر فيما يخاطبه به:
"إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع"
ولقد صدق الواقع حدس معاوية وظنه، فبعد هلاك يزيد بن معاوية ماذا كان الأمر؟ العراق والحجاز لعبدالله بن الزبير، والشام لعبدالملك بن مروان. ووقعت دماء وسالت أنهاراً حتى انتصر عبدالملك بن مروان على خصمه عبدالله ن الزبير.
يقول ابن كثير المؤرخ رحمه الله: "فلما مات الحسين قوي أمر يزيد بن معاوية، ورأى أنه لذلك أهلٌ، وذلك من شدة محبة الوالد لولده، ولما كان يتوسم ه من النجابة الدنيوية، وسيما أن أولاد الملوك ومعرفتهم بالحروب وترتيب الملك، والقيام بأبهته، وكان ظنه أن لا يقوم أحد من أبناء الصحابة في هذا المعنى" ^2^.
وأما الصحابة فكان دورهم كما قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن علية، حدثني صخر بن جويرية عن نافع، قال: "أما بعد فإنا بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله لى الله عليه وسلم يقول: ((إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، يقال هذه غدرة فلان،وإن من أعظم الغدر إلا أن يكون الإشراك بالله، أن يتابع رجل رجلاً على بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته)) ^3^ فلا يخلعن أحد منكم يزيد ولا يسرفن أحد منكم في هذا الأمر، فيكون الفيصل بيني وبينه".
ودخل ابن عمر على ابن مطيع يعظه ويذكره ببيعته ليزيد بعد أن نزعها ونقضها وأراد خلعه.
قال ابن مطيع: مرحباً بأبي عبدالرحمن، ضعوا له وسادة.
فقال: إنما جئتك لأحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من نزع يداً من طاعة فإنه أتي يوم القيامة لا حجة له، ومن مات مفارقا الجماعة فإنه يموت موتة جاهلية)) ^4^.
وأما آل بيت النبوة فقد جاء عن جعفر الباقر رحمة الله تعالى قوله: "لم يخرج أحد من آل بيت أبي طالب ولا من عبدالمطلب أيام الحرة" ^5^.
ولما قدم مسلم بن عقبة أكرمه وأدنى مجلسه وأعطاه كتاب أمان.
ثم إن يزيداً أمر بحملِ الطعام إلى أهلِ المدينة وأفاض عليهم بالأعطيةِ، وهذا خلاف ما ذكره الروافض من أنه شمت بهم واشتفى بقتلهم، وأنه أنشد شعر ابن الزِّبعري لما أوتي برأسِ الحسين بن علي رضي الله عنه وأمه وأبيه:
لما بدت تلك الحمولُ وأشرقت ..... تلك الرؤوسُ على رُبا جيرون
نعق الغُراب فقلت نُح ..... فلقد قضيتُ من النبي ديوني
أو من الحسين ديوني.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هذا كذب، ومن قال ذلك فهو كافرٌ كاذبٌ مفتر، وديوان الشعر الذي يعزى إليه عامته كذب، وأعداء الإسلام كاليهود وغيرهم يكتبونه للقدح في الإسلام، ويذكرون فيه ما هو كذب ظاهر كقولهم أنه أنشد:
ليت أشياخ ببدرٍ شهدوا ..... جذع الخزرج من وقعِ الأسل
قد قتلنا الكبش من أقرانهم ..... وعدلناه ببدرٍ فاعتدل
وأنه تمثل بها ليالي الحرة.
وهذا الشعر لعبدالله الزِّبعري ^6^ أنشده عام أُحد لما قتل المشركون حمزة، وكان كافراً ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، وقال أبياتاً يذكر فيها توبته فلا يجوز أن يُغل في يزيد ولا غيره؛ بل لا يجوز أن يتكلم في أحد إلا بعلمٍ وعدل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
^1^ يزيد بن معاوية لشيخ الإسلام ابن تيمية، والبداية والنهاية 8/ 232.
^2^ البداية والنهاية 8/ 232.
^3^ رواه مسلم 3/ 1360 والترمذي 4/ 144 من حديث صخر بن جورية وقال حسن صحيح، وفي لفظ آخر عند أحمد والطيالسي عن أنس ((إن لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به عند استه)) راجع الجامع الصغير 2/ 228.
^4^ رواه أحمد 2/ 111.
^5^ الحرة هي: حرة واقم بظاهر المدينة، وكانت الواقعة التي نقلها أكثر المؤرخين سنة ثلاثٍ وستين وكان قائدها مسلم بن عقبة وهو الذي قالوا عنه إنَّه استباح المدينة ثلاثة أيام يقتل فيها أهلها وأسرف جنده في السلب والنهب؛ وللأسف فإن أكثر من نقلوا روايتي حريق الكعبة واستباحة المدينة، نقلوا عن رواية إخباري تالف كذاب وهو لوط بن يحيى [أبو مخنف] وهو شيعي محترق صاحب أخبارهم كما قال ابن عدي ف الكامل وتركه أبو حاتم، وقال ابن معين: ليس ثقة. وقال عنه عبدالمنعم ماجد: إنَّه من الشيعة المتحمسين.
^6^ عبدالله بن الزبعري بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي الشاعر، أمه عاتكة بنت عبدالله بن عمرو بن وهب بن حذافة بن جمح، كان من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه بلسانه ونفسه، وكان من أشعر الناس وأبلغهم. يقولون: إنه أشعر قريش قاطبة. قال محمد بن سلام: كان بمكة شعراء، فأبدعهم عراً عبدالله بن الزبعري. قال الزبير: كذلك يقول رواة قريش: إنه كان أشعرهم في الجاهلية. ثم أسلم وحسن إسلامه، واعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه ولم، فقبل عذره ثم شهد ما بعد الفتح من المشاهد:
ومن قوله بعد إسلامه للنبي عليه السلام معتذراً:
يا رسول المليك إن لساني ..... راتق فأفتقت إذ أنا "بور"
إذْ أجاري الشيطان في سنن الغي ..... أنا في ذاك خاسر مبثور
يشهد السمع والفؤاد بما قلـ ..... ت ونفس الشهيد وهي الخبير
إن ما جئتنا به حق صدق ..... ساطع نوره مضيء منير
جئتنا باليقين والصدق والبدر ..... وفي الصدق واليقين السرور
أَذهبَ الله ضلَّه الجهل عنا ..... وأتانا الرضاء والميسور
والبور: الضال الهالك، وهو لفظ للواحد والجمع.
الاستيعاب لابن عبدالبر 1/ 901 وسيرة ابن هشام 4/ 39.
¥