تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونختم بكلام شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني -رحمه الله- في وصيته المسماة بـ (ـالوصية الكُبرى) الذي ألفيته قد أعد ما أردت باختصار غير مُخل كمتنٍ فائق الإتقان، أجاد وأفاد، وإذا نطقت حُذامُ فصدِقُوها فإن الحقَ ما قالت حُذام. وقد دونت بعدها بتعيلقٍ للشيخ السلفي أبي عبدالله محمد بن حمد الحمود النجدي العراقي-حفظه الله- على خَبَرِ الاستباحة، فدونكَ كلامُ شيخ الإسلام:

"ولم يكن أحد إذ ذاك يتكلم في يزيد بن معاوية، ولا كان الكلام فيه من الدين، ثم حدثت بعد ذلك أشياء، فصار قوم يظهرون لعنة يزيد بن معاوية، وربما كان غرضهم بذلك التطرق إلى لعنة غيره، فكرهَ أكثرُ أهلِ السُنَةِ لعنةَ أحد بعينه، فسمع قوم ممن كان يتسنن، فاعتقد أن يزيد كان من كبار الصالحين وأئمة الهُدى، وصار الغُلاةُ فيهِ على طرفي نقيض، هؤلاء يقولون أنهُ كافر زنديق وأنهُ قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل الأنصار وأبناءهم بالحرة ليأخذَ بثأرِ أهلِ بيتهِ الذين قُتلوا كفاراً، مثل جدهِ لأمهِ عتبة بن ربيعة، وخالهِ الوليد وغيرهم، ويذكرون عنه من الاشتهار بشربِ الخمر وإظهارِ الفواحشِ أشياء، وأقوام يعتقدون أنهُ كان إماماً عادلاً هادياً مهدياً، وأنه كان من كبار الصحابة أو أكابرِ الصحابة، وأنه كان من أولياء الله تعالى، وربما اعتقد بعضهم أنه كانَ من الأنبياء ويقولون: من وقف في يزيد بن معاوية وقفه الله على نار جهنم، ويروون عن الشيخ حسن بن عدي: أنه كان كذا وكذا ولياً وقفوا على النار لقولهم في يزيد، وفي زمن الشيخ حسن زادوا أشياء باطلة نظماً ونثراً، وغلوا في الشيخ عدي وفي يزيد بأشياء مخالفة لما كان عليه الشيخ عدي الكبير قدس الله روحه، فإن طريقتهُ كانت سليمة لم يكن فيها من هذه البدع، وابتلوا بروافض عادوهم وقتلوا الشيخ حسناً، وجرت فتن لا يحبها الله ورسوله.

وهذا الغلو في يزيد من الطرفين، خلاف لما أجمع عليه أهل العلم بالإيمان، فإن يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان ن عفان رضي الله عنه، ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان من الصحابة باتفاق العلماء، ولا كان من المشهورين بالدين والصلاح وكان من شبان المسلمين، ولا كان كافراً ولا زنديقاً، وتولى بعد أبيه على كراهة من المسلمين، ورضا من بعضهم، وكان فيه شجاعة وكرم، ولم يكن مظهراً للفواحش كما يحكي عنه خصومه.

وجرت في إمارته أمور عظيمة، أحدها مقتلُ الحسين رضي الله عنه، وهو لم يأمر بقتل الحسين، ولا أظنه الفرح بقتله، ولا نكت بالقضيب على ثناياه رضي الله عنه، ولا حُمِلَ رأسُ الحسين رضي الله عنه إلى الشام؛ لكن أمر بمنع الحسين رضي الله عنه وبدفعه عن الأمر، ولو كان بقتاله فزاد النواب على أمره، وحض الشمر بن ذي الجوشن على قتله عبيدالله بن زياد فاعتدى عليه عبيدالله بن زياد، فطلب منه الحُسين رضي الله عنه أن يجيء إلى يزيد أو يذهبَ إلى الثغرِ مُرابطاً أو يعود إلى مكة؛ فمنعوه رضي الله عنه إلا أن يستأسر لهم، وأمر عمر بن سعد بقتاله مظلوماً له ولطائفته من أهل بيته رضي الله عنهم.

وكان قتله رضي الله عنه من المصائب العظيمة، فإن قتلَ الحُسين وقتل عثمان قبلهُ كان من أعظم أسباب الفتن فذ هذه الأمة، وقتلتهما من شرار الخلقِ عندَ الله، ولما قدم أهلهم رضي الله عنهم على يزيد بن معاوية، أكرمهم وسيرهم إلى المدينة، وروى عنه أنه لعن زياداً على قتله، وقال: كُنتُ أرضى من طاعة أهلِ العراقِ بدون قتل الحُسين؛ لكنهُ مع هذا لم يظهر منهُ إنكار قتلهِ والانتصار له والأخذَ بثارهِ، كان من الواجبِ عليه، فصار أهل الحق يلومونه على تركهِ للواجب، مُضافاً إلى أمور أخرى وأما خصومهِ فيزيدون عليه من الفريةِ أشياء.

وأما الأمر الثاني: فإن أهل المدينة النبوية نقضوا بيعته وأخرجوا نوابه وأهله، فبعثَ إليهم جيشاً وأمره إذ لم يطعوه بعد ثلاث أن يدخلها بالسيفِ ويُبيحها ثلاثاً، فصارَ عسكرهُ في المدينة النبوية يقتلون وينهبون ويفتضون الفروج المحرمة، ثم أرسل جيشاً إلى مكة المشرفة فحاصروا مكة، وتوفي يزيد وهم محاصرون مكة، وهذا من العدوان والظلم فعل بأمره.&&

ولهذا كان الذي عليه مقتصد أهل السنة وأئمة الأمة لا يسب ولا يحب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير