قال صالح بن أحمد بن حنبل: قلتُ لأبي إن قوماً يقولون: أنهم يُحبون يزيد. قال: يا بني وهل يُحبُ يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر. فقلتُ: لا تلعنه. قال: يا بني وهل رأيت أباكَ يلعنُ أحداً.
وروي عنه: يقل له تكتب الحديث عن يزيد بن معاوية. فقال: لا. ولا كرامة، أو ليس هو الذي فعل بأهلِ المدينةِ ما فعل.
فيزيد عند علماء أئمة المسلمين ملك من الملوك، لا يُحبونهُ محبة الصالحين وأولياء الله، ولا يسبونه فإنهم لا يحبون لعنة المسلم المعين لما روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أن رجلاً كان يُدعى حماراً، وكان يُكثِرُ شربَ الخمرِ، وكان كلما أُتي بهِ إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضربه، فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا تلعنهُ فإنه يُحبُ الله ورسوله)).
ومع هذا فطائفة من أهلِ السنةِ يُجيزون لعنتهُ، لأنهم يعتقدون أنهُ فعلَ من الظلمِ ما يجوز لعنة فاعله، وطائفة أخرى ترى محبتهُ لأنهُ مسلم تولى على عهدِ الصحابة وبايعه الصحابة، ويقولون لم يصح عنهُ ما نُقِلَ عنه وكانت له محاسن، ولم يصح عنهُ ما نُقِلَ عنهُ أو كانَ مُجتهداً فيما فعله.
والصواب هو ما عليه الأئمة من أنهُ لا يُخصُ بمحبةٍ ولا يُلعن، ومع هذا فإن كان فاسقاً أو ظالماً، فالله يغفر للفاسقِ والظالم، لا سيما إذا أتى بحسناتٍ عظيمةٍ.
وقد روى البخاري في صحيحهِ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أولُ جيشٍ يغزو القسطنطينية مغفورٌ لهُ)) وأول جيشٍ غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية، وكان معهُ أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
وقد يشتبه يزيد بن معاوية بعمهِ يزيدَ بن أبي سفيان، فإن يزيد بن أبي سفيان كان من الصحابة، وكان من خيارِ الصحابة وهو خيرُ آل حرب وكان أحد أُمراء الشام الذين بعثهم أبو بكرٍ رضي الله عنه في فتوحِ الشام، ومشى أبو بكرٍ في ركابهِ يوصيهِ مُشيعاً لهُ. فقال لهُ: يا خليفةَ رسولِ الله إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال: لستُ براكبٍ ولستَ بنازلٍ إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله، فلما توفي بعد فتوح الشام في خلافةِ عمر، ولى عمر رضي الله عنه مكانهُ أخاهُ معاوية، وولد لهُ يزيد في خلافةِ عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأقام معاوية بالشام إلى أن وقع ما وقع.
فالواجب الاقتصار في ذلك، والإعراض عن ذكرِ يزيدَ بن معاوية وامتحان المسلمين به، فإن هذا من البدع المُخالفةُ لأهلِ السنةِ والجماعةِ، فإنهُ بسبب ذلك اعتقد قومٌ من الجُهال أن يزيد بن معاوية من الصحابة، وأنهُ من أكابر الصالحين وأئمة العدل وهو خطأ بيِّن."
&& عَلَقَ الشيخُ العراقي محمد الحمود النجدي بقوله:
" خبرُ استباحةِ المدينة ثلاثةَ أيام، خَبَرٌ مشهور عند أهلِ التاريخ؛ لكنهُ لا يثبت أمام النقد الحديثي لسنده، إذ فيه أبو مخنف لوط بن يحيى، قال الذهبي في الميزان (3/ 419 - 420): [أخباري تالف لا يوثق به، تركه أبو حاتم، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرة: ليس بشيء، وقال ابن عدي: شيعي محترق صاحب أخبارهم.]
وللدكتور حمد بن محمد العرينان كُتيب ف مُناقشةِ هذه القضية وبيان بُطلانها، طبع في الكويت 1403هـ، مكتبة ابن تيمية".
الخلاصة
وبعد هذا نخلص إلى:
1. أن يزيد بن معاوية ملك من ملوك المسلمين، يدعى لهُ بالرحمة، وله حسنات وسيئات.
2. لا يجوز لعنهُ، لما بُين سابقاً ووضح بالأسباب الشرعية النافية، وقد نقلنا فتوى الإمام الغزالي –رحمه الله- وختمنا بكلام الإمام الحراني ابن تيمية –رحمه الله- في ذلك، وبين شيخ الإسلام الخلاف بين المنع والقول باللعن، والقول الحق هو القول بالمنع، وهو ما أُثبت من كلام الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله-.
3. أن موقف يزيد من مقتل الحسين عليه السلام واضح التأثر والحزن لذلك؛ فلم يظهر فرحاً ولم ينقل رأسهُ إلى دمشق، وما قيل في ذلك هو كذبٌ عليه من قتلت الحسين الفعليين، وهم الخونة أصحاب كربلاء والكوفة من دعا الحسين ثم خانه عليهم لعنة الله وعلى من قتله من عبيدالله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن لعنة الله.
4. أن الحسين أخطأ في خروجهِ، خاصة بعد تبيان بعض أحبابه وأصحابه موقف الملاعين الخونة الذين خانوا والدهُ بالأمس.
5. أن يزيد أخطأ بعدم مُعاقبته لقتلت الحسين عليهم السلام، وكذلك معاقبة قتلت أهل المدينة الذين أسرفوا في القتل، وإن تُعذرَ لهُ بنفس العُذرِ الذي تُعذرَ به لأبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام بعدم الأخذ بقتلة ذي النورين عثمان عليه الرضوان فالعذر أن الزمام يحتاج إلى تثبيت ثم الأخذ بالدم.
6. أن مسألة استباحة المدينة قصة مشكوكٌ في صحتها، والصحيح أنهُ قاتل أهل المدينة وكثر القتل، وقد أخطأوا في الخروج على يزيد ونقض البيعة، وقد نصحهم ابن عمر وشدد عليهم، وكان موقف محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه واضح في المنع، وكذلك أخطأ يزيد في إرسالهِ لمُسرف (مسلم) بن عقبة.
7. أن حريق الكعبة لم يكن بسبب جيش يزيد كما بينا.
8. أن الأخبار في ذم يزيد أغلبها محض كذب وافتراء وقد بينا سابقاً كلام الأئمة.
9. أن أي نقل في ذم يزيد من ابن عساكر منكر، وقد نقل أجود الضعيف ابن كثير في البداية والنهاية وبين كما بينا.
10. أن للرافضة تأثير كبير في تشويه صورة يزيد، والسبب ليس يزيد فقط؛ بل لهُ ما ورائه من اتساع اللعن لغيره.
11. أن نسبة القصص والأكاذيب في مقتل الحُسين ليزيد وغيرها من القصص المفبركة؛ ما هي إلا محاولة إخفاء من الروافض لحقيقة خونة الحسين، ورفضة زيد بن علي.
12. أن ما نُقل من القول بأنهُ كان صاحب شراب، وتركٍ للصلاة، كذب من وضع من أراد نقض البيعة، وقد بينا الحقيقة في مناقشتهم لمحمد بن الحنفية ألا وهي السلطة.
13. أنهُ لا يحب ولا يبغض وهو موقف المسلم أي لا يميزهُ بحبٍ عن غيره، ولا يُميزهُ ببغض عن غيره.
14. أنه يُحب حب المسلم لأخيه المسلم.
15. أن له من الفضل والمحاسن ما يعدل إن صدقت السيئات
¥