تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول الطبري (ت 310هـ) في مقدمة تاريخه: "فما يمكن من كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً من الصحة ولا معنى من الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت من قبلنا وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا" ^1^.

أولى روايات الطبري عن واقعة الحرة وإباحة المدينة كانت مسندة إلى أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي وهي تقول:

" .. وصل ذلك الجيش من عند يزيد وعليهم مسلم بن عقبة وقال له (أي يزيد):إن حدث بك حدث فاستخلف على الجيش حصين بن نمير السكوني وقال له: ادع القوم ثلاثاً فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثاً، وما فيها من مال أو رقة سلاح أو طعام فهو للجند" ^2^.

"ثم دعاهم مسلم بن عقبة فقال: يا أهل المدينة، إن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية يزعم أنكم الأصل وإني أكره هراقة دمائكم وإني أؤجلكم ثلاثاً".

"وأباح مسلم المدينة ثلاثاً يقتلون الناس يأخذون المال، وأفزع ذلك من بها من الصحابة" ^3^.

هذا ما رواه أبو مخنف في تاريخ الطبري عن موضوع الإباحة، وهذه الرواية يبدو أنها المصدر الوحيد لكل من أخذ بحقيقة إباحة المدينة.

أبو مخنف شخصية افتقدت ثقة أصحاب كتب تراجم الرجال، حيث قال عنه الحافظ الذهبي"أبو مخنف، إخباري تالف، لا يوثق به. تركه أبو حاتم وغيره، وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال ابن عدي: شيعي محترق، صاحب أخبارهم" ^4^.

فهو إلى جانب افتقاده هذه الثقة، متهم بالتشيع وهذا يعني احتمال تحيزه في رواية أخباره؛ بل إن الأستاذ محب الدين الخطيب اعتبره من مصادر الطبري غير الموثوق بها ^5^.

وقال عنه عبدالمنعم ماجد إنه من الشيعة المتحمسين للعلويين ^6^.

ويجمع المؤرخون على اعتباره زعيم المدرسة العراقية في تاريخ الطبري ^7^.

إذاً يجب على الباحث ألا يتسرع في الأخذ بروايته دون تحقيق ومقارنة ولا سيما إذا كانت تتعرض لأحداث وقعت في عهد الدولة الأموية، وعهد يزيد بالذات، وهو المكروه من قبل عامة الشيعة، فما بالك إذا كان هو الراوي الوحيد لحادث الإباحة.

ويبدو واضحا أن الطبري نفسه لم يكن مكتفياً-لفداحة الخَطْب- برواية أبي مخنف، لذا ذكر أنه وردت روايات أُخَرُ غير تلك التي نقلها عن أبي مخنف، حيث يقول "ولقد ذكر من أمر وقعة الحرة ومقتل ابن الغسيل أمر غير الذي روي عن أبي مخنف عن الذين رُوي ذلك عنهم" ^8^ ثم ذكر رواية وهب بن جرير، التي أشار فيها إلى إكرام وفادة يزيد لوفد أهل المدينة عند تواجدهم في دمشق، كما أنه لم يتطرق بالذكر إلى توصية يزيد لقائده مسلم بإباحة المدينة ثلاثة أيام، وإنما قال "فانهزم الناس فكان من أصيب في الخندق أكثر ممن قتل من الناس فدخلوا المدينة وهزم الناس ... فدخل مسلم بن عقبة المدينة فدعا الناس للبيعة على أنهم دخلوا ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم وأموالهم ما شاء" ^9^.

وهناك رواية ثالثة ذكرها الطبري تختلف عن رواية أبي مخنف؛ وهي لعوانة بن حكيم، وهو راوية نقل عن الطبري كثيراً، ويبدو أنه لم يكن متحيزاً إلى جهة معينة حيث إنه أورد روايات فيها نبرة أموية وروايات أخر عراقية ومدنية تعكس آراء جماعات مضادة لبني أمية ^10^.

تذكر رواية عوانة أن مسلم بن عقبة دعا الناس بقباء إلى البيعة، أي أنه دعاهم إلى مبايعة يزيد، ففعلوا، وقتل مسلم المعارضين والمشاغبين منهم فقط ^11^.

إذاً فروايتا وهب بن جرير وعوانة بن الحكيم لم تذكرا شيئاً عن أمر يزيد لمسلم بإباحتها ثلاثة أيام فعلاً. فخبر إباحة المدينة ثلاثة أيام قضية مشكوك في أمر وقوعها. ولم يرد شيء على الإطلاق في هذا المصدر عن سبي الذراري وهتك الأعراض.

فالمؤرخ الحديث حين يعتمد الطبري مصدراً لإثبات وقوع حادثة إباحة المدينة إنما هو في الواقع يحمل الطبري مسؤولية هذا الخبر، بينما هو يعتمد على رواية أبي مخنف فقط، ويعتقد أن مهمته انتهت بالإشارة إلى الطبري، وبغض الطرف عن الروايات الأخر التي نقلها الطبري أيضاً، وهذا منهج مرفوض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير