التي تضمنها المصادر الأساسية، التي ناقشناها آنفاً، لا يوجد فيها مستند قاطع لا يقبل الشك دعم هذا الحكم.
ثانياً: كتاب "أيام العرب في الإسلام" تأليف د-محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي. يقول الكتاب:
"وغلبت الهزيمة على أهل المدينة وأباحها مسلم ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون الأموال" ^24^.
وهنا أيضاً لم يدلنا مؤلفا الكتاب على مصدرهما في حادثة إباحة المدينة ومراجعهما في وقعة الحرة كلها هي: "العقد الفريد" و"الأغاني" و"الفخري في الآداب السلطانية".ولا أدري كيف سمحا لنفسيهما أن يعتمدا على هذه المصادر الثانوية، وتجاهلا المصادر الأساسية لهذا الموضوع. ومن المسلم به إن أي رأي تاريخي مصادره ثانوية فقط لا يلتفت إليه على الإطلاق.
ثالثاً: كتاب "التاريخ الإسلامي العام" تألف د-علي إبراهيم حسن يقول: "وبعد هذه الهزيمة، استباح جيش مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام، وأسرف هو وجنده في السلب والنهب والاعتداء، ولقبوه بالمسرف [أ] " ^25^.
ومراجعة: أ- "مروج الذهب" للمسعودي
والمسعودي –كما مر- لم يذكر شيئاً عن إباحة المدينة ثلاثة أيام وإنما أشار إلى إسراف مسلم بن عقبة في القتل والنهب، فلا يصح الاعتماد على هذا المصدر في إثبات وقوع حادثة إباحة المدينة. كما أنه لا يجوز الاعتماد على المسعودي وحده في هذا الموضوع حيث إن الشيعة تعده من شيوخها ^26^.ولماذا أغفل الطبري تماماً؟
رابعاً: كتاب "التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية" تأليف د-أحمد شلبي، يقول:
" .. فهاجم مسلم من جهة الحرة وانتصر عليهم وأباح المدينة ثلاثة أيام" ^27^.
ومراجعة: أ-الطبري، الفخري في الآداب السلطانية.
الإشارة هنا إلى الطبري تعني اختياره لرواية أبي مخنف واعتماده عليها في التدليل على رأيه، مغفلاً بقية الروايات التي ذكرها الطبري، وهكذا وقع المؤلف في نفس الخطأ الذي حذر منه حين يقول "والعجيب أن غالب المؤرخين المحدثين من مسلمين ومستشرقين تلقوا ما كتبه المؤرخون الأول على أنه حقائق فجاءت أكثر الدراسات الحديثة بعيدة عن الإنصاف".
خامساً: كتاب "الدولة العربية الإسلامية" تأليف د-عل حسني الخربوطلي، يقول:
" .. وقامت معركة الحرة، وانتهت بهزيمة أهل المدينة، وأتى الجيش الأموي كثيراً من الفظائع والمذابح والكبائر، مما أجمع المؤرخون على استنكاره، فقد أباح مسلم المدينة ثلاثة أيام لجنده، يقتلون أهلها، ويسلبون أموالهم [أ]،وقتل ثمانون من أصحاب الرسول وسبعمائة من قريش والأنصار، وعشرة آلاف من سائر الناس [ب] " ^28^.
ومراجعة: أ-الطبري .. ب-الإمامة والسياسة لابن قتيبة.
إننا نشتم هنا رائحة المبالغة البعيدة عن تحري الحقيقة قبل إطلاق الحكم، فقد قرر الكاتب أن الجيش الأموي ارتكب المنكرات دون أن يكون ذلك نتيجة دراسة وافية متجردة، ثم اعتمد في تحديد الضحايا على كتاب لم تصح نسبته إلى ابن قتيبة. فلا يعتقد أنه كفي أن يذيل حكمه بتحميله مسؤولية هذه الرواية وتجاهل الروايات الأخرى. أما اعتماده على كتاب "الإمامة والسياسة"فمرفوض وقد سبق توضيح موقف المؤرخين منه ^29^.
سادساً: كتاب "تاريخ الدولة العربية" تأليف د-السيد عبدالعزيز سالم وفيه يقول:
"واستباح جيش الشام المدينة ثلاثة أيام بلياليها من 27 ذي الحجة حتى أول محرم 64هـ ثم أمسكوا بعد ذلك [أ] " ^30^.
ومراجعة: أ-الإمامة والسياسة، وابن الأثير.
اعتماد المؤلف هنا على "الإمامة والسياسة" مصدراً أساسياً لإثبات وقوع الإباحة أمر مرفوض لا يلتفت إليه للأسباب السابق ذكرها، وأما استشهاده بابن الأثير كمصدر آخر ففيه إجحاف بالمنهج السليم في البحث التاريخي، فكيف يكتفي بالفرع ويترك الأصل وهو الطبري. وهو لم يقدم ما يقنعنا برأيه هذا.
سابعاً: كتاب "دور الحجاز في الحياة السياسية العامة في القرنين الأول والثاني للهجرة" تأليف د-أحمد إبراهيم الشريف، يقول:
"فدخل مسلم المدينة واستباحها للجند ثلاثة أيام، ثم دعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم وأموالهم ما شاء، وارتكب من الحماقة والجبر حداً كبيراً" ^31^.
¥