" وله شاهد صححه الحاكم بلفظ: كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد ".
وهذا من الوهم، لأنه هذا اللفظ لا يصلح شاهداً للفظ الأول، فالأول يزعم إن رسول الله ? قضى نبوته قبل خلق آدم وشتان بين المعنيين فليس تشابه الحروف المتراصة دليلا على تشابه المعاني. ومن هنا أرى إن تضعف لفظ هذا الحديث – الذي نحن بصدده – فيه قدر من التسامح وقد حكم جماعة من العلماء بأنه موضوع منهم (الصنعاني)، و (ابن تيميه) () وتابعهما الشيخ التليدي في مقدمته لكتابة (تهذيب الخصائص الكبرى) ().
وعموماً فمنزله النبي ? ومكانته عند ربه – سبحانه – أعلى من إن تحتاج إلى الأحاديث الواهية لإثباتها أو تأكيدها، وقد صحت الأحاديث الصريحة بأنه سيد ولد آدم يوم القيامة، وإن أول من يفتح باب الجنة، وأنه أكثر الأنبياء تابعاً يوم القيامة، وإنه أوتى من الفضل في الدنيا ما لم يؤته نبي قبله، وإنه صاحب الشريعة الحاكمة المهيمنة على الشرائع السابقة، والمبطلة للتشريعات اللاحقة () إلى مالا يحصى من الفضائل الصحيحة. والمناقب الواضحة الصريحة، التي لا مزيد بعدها بأحاديث ساقطة، فيها غلو في قدر بما لا يحاج قدرة إليه / وهو - ? - القائل " لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ()
والإطراء: الزيادة في المدح، والغلوفي الوصف.
الحمامة والعنكبوت:
ومن القصص التي تسللت إلى العقل الجمعي للأمة، وساهم الخيال الشعبي في رواجها بصورة لم يسلم منها بعض المتخصصين ما رواه أصحاب الأخبار من إنه لما هاجر النبي ? واختبأ في الغار بعث الله العنكبوت فضربت نسجها نحو باب الغار. وأمر حمامتين وحشيتين فوقعتا بجوار نسج العنكبوت، فلما كان الكفار ينظرون إلى الغار بحثاً عنه ?، كان يردهم عن ذلك ما يرون من الحمامة والعنكبوت ().
وقد اتخذت هذه الحادثة ألوانا متعددة من القص، ودخلت في إطار الإنشاد الشعبي، وطالت مكوناته وقصرت حسب حاجة الراوي إلى ذلك، وسنختار الوجوه المسندة لهذه القصة لنعلق عليها بملاحظات النقاد:
1. فقد رواها الطبراني في المعجم الكبير وابن سعد في الطبقات والبزار في مسنده كلهم من طريق عون بن عمرو القيسى، عن أبى مصعب المكي عن المغير بن شعبة وأنس وزيد بن أرقم، هذا سياق يذكر الحمامتين والعنكبوت.
2. ورواها الإمام أحمد في المسند وعبد الرزاق في المصنف من طريق عثمان الجزري إن مقسماً مولى ابن عباس رواه عن ابن عباس، وهذا سياق يذكر العنكبوت وحده.
3. رواه الديلمي من حديث أبى بكر الصديق بلفظ: " جزى الله عز وجل العنكبوت عنا خيراً، فأنها نسجت على وعليك يا أبا بكر في الغار … "
وهو حديث مسلسل بقول كل راو: " إنا أحبها (يعنى العنكبوت) منذ سمعت فلاناً ..
وهذه الروايات روايات ضعاف، فاللفظ الأخير – كما هو مسلسل بهذه اللفظة – وهو مسلسل بجماعة من المجاهيل، منهم إبراهيم بن محمد شيخ عبد الله بن موسى السلامي، وعبد الله بن موسى هذا موسى هذا أيضاً ضعيف، فقد قال عنه أبو سعيد الادريسي الحافظ:
" كتب عمن دب ودرج من المجهولين وأصحاب الزوايا " وهذا يدل على إنه حاطب، دليل يحدث عمن يعرف ومن لا يعرف من القصاص والمتحدثين في الزوايا، والذي يؤكد ذلك جهالة شيخه إبراهيم بن محمد. فالحديث في غاية الضعف.
أما اللفظ الأول المروي عن ثلاثة من الصحابة فلا يغنك لأن الافة من رواية عنهم، ومن تلميذه الرواي عنه.
• وأما شيخه أبو مصعب المكي هذا فهو مجهول لا يعرف، قال العقيلى: " وأبو مصعب رجل مجهول " ().
ولذلك قال ابن كثير عقب سياقته له: هذا حديث غريب جداً من هذا الوجه.
قلت: وهذا الاستغراب لا يحمل إلا على الضعف الشديد، لما علمت من حال عون بن عمرو وشيخه.
ولعل حال اللفظ الثاني لهذه الروايات أحسن قليلاً من هذين، فقد حسنه الحافظ بن كثير قال: " وهو أجود ما روي في قصة العنكبوت على فم الغار " وتعقبه العلامة الألباني بقوله: " كذا قال. وليس بحسن في نقدي ".
ودلل على ذلك بضعف عثمان الجزري، وساق تحقيقاً لاسمه، وحاله، أما الإمام المحدث الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند فإنه اكتفى بقوله: " في إسناده نظر " ().
إلا إن الشيخ الألباني استشهد بقوله تعالى ? وأيده بجنود لم تروها ? -[التوبة / 40]
¥