تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

انتهبوا المدينة واحتلوا دورها لأنفسهم وارتكبوا أبشع الجرائم قتلا وهتكا للأعراض، وكان الخطب أعظم من أن يوصف أو يتقصى كما قال ابن حيان.

ـ[أم حنان]ــــــــ[23 - 12 - 06, 06:17 م]ـ

يقول ابن حيان فيما ينقله عنه ابن بسام في الذخيرة واصفا المأساة البربشترية:إن جيش الأردمانيين طلبوا عليها ووالوا حصرها وجدوا في قتالها طامعين فيها، وقد أسلمهم أميرهم يوسف بن سليمان بن هود لخطبهم ووكلهم إلى أنفسهم وقعد على النفير نحوهم، فأقام عليهم العدو منازلا لأربعين يوما، ووقع بين أهلها تنازع على القوت لقلته، ولما علم العدو بذلك جد في القتال فدخل الكفرة المدينة البرانية نحو خمسة الاف دارع، فبهت الناس وتحصنوا بمدينتهم الداخلة ودارت بينهم حرب شديدة قتل فيها من النصارى خمس مئة، ثم اتفق - من قدر الله - أن قناة من عمل الأوائل سربا تحت الأرض بتقدير موزون إلى أن أفضت إلى شط النهر فانهارت في نفس ذلك السرب صخرة عظيمة الجرم من حجارة بناية الأول سدت السرب بأسره، فعدموا الماء وايسوا الحياة ودعوا إلى تأمينهم على النزول بأنفسهم خاصة دون مال وعيال، فأعطاهم أعداء الله ذلك، فلما خرجوا نكثوا بهم وقتلوا معا، ولم يطلقوا منهم غير قائدهم ابن الطويل وقاضيهم ابن عيسى في نفر من الوجوه قليل عديدهم، فحصلوا على غنائم بربشتر على مالا يقدر كثرة زعموا أنه صار لأكبر رؤسائهم قائد خيل رومة في حصته نحو ألفا وخمس مئة جارية أبكارا كلهن، ومن أوقار الأمتعة من الحلي والكسوة والوطاء خمس مئة حمل، ويحدث أيضا أنه أصيب في هذا القتل والسبي مئة ألف نسمة، وشد الكفار أيدهم بمدينة بربشتر واستوطنوها وهلك من نساء بربشتر جملة يكثر عدها عند افلاتهن من عطش القصبة لتطارحهن على الماء يكرعن فيه بغير مهل، فكبهم للأذقان موتى، وكان الخطب في هذه النازلة أعظم من أن يوصف أو يتقصى.

ـ[أم حنان]ــــــــ[25 - 12 - 06, 07:15 م]ـ

علق ابن حيان على هذه الأحداث وعلل أسبابها، وأنحى باللائمة على الناس والحكام قائلا:

(أركستهم الذنوب، ووصمتهم العيوب، فليسوا في سبيل الرشد بأتقياء، ولا على معاني الغي بأقوياء، نشىء من الناس هامل، يعللون نفوسهم بالباطل، من أدل الدلائل على فرط جهلهم بشأنهم واغترارهم بزمانهم وبعادهم عن طاعة خالقهم ورفضهم وصية رسوله نبيهم عليه السلام، وهو وهم عن النظر في عاقبة أمرهم وغفلتهم عن سد ثغرهم، حتى لظل عدوهم الساعي لإطفاء نورهم يتبجح عراض ديارهم ويستقري بسائط بقاعهم، يقطع كل يوم طرقا منهم وسرامة، ومن لدينا وحوالينا من أهل كلمتنا صموت عن ذكرهم، لهات عن بثهم، ما أن يسمع عندنا في مسجد من مساجدنا ومحفل من محافلنا مذكر بهم أو داع لهم فضلا عن نافر إليهم أو مواس لهم، حتى كأن ليسوا منا وكأن فتقهم ليس بمفض إلينا، قد بخلنا عليهم بالدعاء بخلنا بالغناء، عجائب مغربة فاتت التقدير وعرضت للتغيير، ولله عاقبة الأمور وإليه المصير)

فعل ابن حزم الأندلسي -معاصر الطوائف - مثل ابن حيان في تعرية حال الطوائف وبيان استهتار ملوكهم وما أورثوا الأمة من الوهن والإنحدار، ولولا دعوة العلماء الأفاضل إلى توحيد الأندلس ونجدة الأخوة المسلمين بعدوة المغرب والعمل على استثارة الروح الاسلامية، لضاعت الأندلس قبل ضياعها بقرون.

استعادة بربشتر:

قامت دعوة إلى الجهاد ورفعت راية الإسلام فهب الناس مستجيبين نحو بربشتر فحازوا في جهادهم من الله النصر، يحدثنا ابن حيان عن ذلك فيقول:

(فلما كان عقب جمادى الأولى من سنة سبع وخمسين شاع الخبر بقرطبة بارتجاع المسلمين لبربشتر، وذلك أن أحمد بن هود الملقب بالمقتدر المفرط فيها والمتهم على أهليها لانحرافهم إلى أخيه، صمد لها مع مدد عباد حليفه، وسعى لإصمات سوء القالة عنه، وقد كتب الله عليه منها مالا يمحوه إلا عفوه، فتأهب لقصد بربشتر فسار نحوها ورجال ابن عباد نحو من خمس مئة فارس مقدمته من سراة البرابرة وغيرهم من أبطال الأندلس، فنزل عليها بجمعه، فجالدوا بباب المدينة جلادا ارتاب منه كل جبان، وأعز الله أهل الحفيظة والشجعان، حمى الوسيط بينهم إلى

أن أعز الله أولياءه وزلزل أعداءه وولوا الأدبار مقتحمين أبواب المدينة، فاقتحم المسلمون عليهم وملكوهم أجمعين الا من فر من مكان الوقعة ولم يأت المدينة، فأجيل في الكافرين واستؤصلوا أجمعين، إلا من استرق من أصاغرهم وانتقوا للفداء من أعاظمهم، وسبوا جميع من كان فيها من عيالهم وبناتهم وأبنائهم وملكوا المدينة بقدرة الخالق، وأصيب على منحة النصر المتاح طائفة من حماة المسلمين الجادين في نصر الدين نحو الخمسين، كتب الله شهادتهم وقتل فيها من أعداء الله الكافرين نحو ألف فارس وخمس مئة راجل، فاستولى المسلمون بحمد الله عليها وغسلوها من رجس الشرك وجلوها من صدأ الإفك، ثبت الله فيها قدم الإسلام وجبر صدع من تولى من إخوانهم بمنه)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير