تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فكانت هذه هي البلوى التي بشره النبي صلى الله عليه وسلم و التي يقتل فيها مظلوماً، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً، فجاء رجل يستأذن فقال: ائذن له و بشره بالجنة، فإذا هو أبو بكر، ثم جاء آخر يستأذن فقال: ائذن له و بشره بالجنة فإذا هو عمر، ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة ثم قال: ائذن له و بشره بالجنة على بلوى تصيبه، فإذا هو عثمان. و يعقب ابن حجر على ذلك بقوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بالبلوى المذكورة إلى ما أصاب عثمان في آخر خلافته من الشهادة يوم الدار. الفتح (7/ 38) و (13/ 55). و الحديث موجود في البخاري (7/ 65) و رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم (6162) و (6164).

فائدة .. قال ابن بطال: إنما خص عثمان بذكر البلاء مع أن عمر قتل أيضاً لكون عمر لم يمتحن بمثل ما امتحن عثمان من تسلط القوم الذين أرادوا منه أن ينخلع من الإمامة بسبب ما نسبوه إليه من الجور و الظلم مع تنصله من ذلك، و اعتذاره عن كل ما أوردوه عليه، ثم هجومهم عليه في داره و هتكهم ستر أهله،

و كل ذلك زيادة على قتله. فتح الباري: (13/ 55).

و قد اختلفت الروايات في تعيين قاتله على الصحيح، لكن هذا ليس مهماً لأن المشارك كالقاتل و المتسبب كالمباشر، و إنما المهم هو التعرّف على هوية قاتليه، فهم غوغاء من الأمصار كما وصفهم الزبير رضي الله عنه، و هم نزّاع القبائل كما تقول عائشة، انظر: الطبري (4/ 461 - 462). و هم حثالة الناس متفقون على الشر كما يصفهم ابن سعد في طبقاته (3/ 71). و هم خوارج مفسدون و ضالون باغون كما ينعتهم ابن تيمية في منهاج السنة (6/ 297).

هذا بالنسبة لمن شارك في الفتنة، أما بالنسبة لمن تولى قتل عثمان بنفسه فإني أشارك أخي الدكتور خالد الغيث فيما ذهب إليه من كون ابن سبأ هو الذي تولى قتل عثمان رضي الله عنه، و إليكم تفصيل ذلك: فحسب ما توفرت لدي من روايات، جاء نعت قاتله بالموت الأسود و حمار، كما عند خليفة بن خياط (ص174 - 175)، أو جبلة - الغليظ - كما عند ابن سعد (3/ 83 - 84)، أو جبلة بن الأيهم كما عند ابن عبد البر. الاستيعاب (3/ 1046) ضمن ترجمة عثمان بن عفان، و أورده كذلك بنفس للفظ ضمن ترجمة محمد بن أبي بكر (3/ 1367). و كلمة الأيهم ما هي إلا زيادة غير مقصودة من ناسخ المخطوطة

و سببها هو اشتهار اسم جبلة بن الأيهم ذلك الأمير الغساني الذي ارتد زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. و يؤيد ذلك أن راوي الخبر و هو كنانة مولى صفية هو نفسه راوي الروايتين، أنظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (372).

و بدراسة الروايات السابقة اتضح ما يلي:-

أ- أن تلك الروايات لم تسم قاتل عثمان، بل تذكر اللقب الذي أطلق عليه.

ب- ذكرت إحدى الروايات أن قاتل عثمان يقال له: حمار. و كلمة حمار لعلها تحريف لكلمة جبلة.

و يؤيد ذلك ما قيل بخصوص زيادة كلمة - الأيهم - على اسم جبلة عند راوي الخبر، و هو كنانة مولى صفية، لأن راوي خبر لفظة حمار هو كنانة أيضاً. هذا بالإضافة إلى التشابه الموجود في متون تلك الروايات.

و مما سبق يلاحظ أن الذي قتل عثمان رضي الله عنه يعد شخصاً واحداً ذا ألقاب عدة، فهو الموت الأسود، و هو رجل أسود من أهل مصر يقال له جبلة، و هو عبد الله بن سبأ - ابن السوداء - الذي جاء إلى المدينة مع وفد مصر. لمزيد من التفصيل في ذلك راجع: استشهاد عثمان و وقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري، للدكتور: خالد بن محمد الغيث (ص128 - 130).

قال محب الدين الخطيب في حاشيته على العواصم (ص73): الذين شاركوا في الجناية على الإسلام يوم الدار طوائف على مراتب، فيهم الذين غلب عليهم الغلو في الدين فأكبروا الهنات و ارتكبوا في إنكارها الموبقات، و فيهم الذين ينزعون إلى عصبية يمنية على شيوخ الصحابة من قريش، و لم تكن لهم في الإسلام سابقة، فحسدوا أهل السابقة من قريش على ما أصابوا من مغانم شرعية جزاء جهادهم و فتوحهم، فأرادوا أن يكون لهم مثلها بلا سابقة ولا جهاد. و فيهم الموتورون من حدود شرعية أقيمت على بعض ذويهم فاضطغنوا في قلوبهم الإحنة و الغل لأجلها، و فيهم الحمقى الذين استغل السبأيون ضعف قلوبهم فدفعوهم إلى الفتنة و الفساد و

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير