تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أخرج الإمام أحمد في فضائل الصحابة (1/ 496 - 497) بإسناد حسن، من طريق مسلم أبو سعيد مولى عثمان رضي الله عنه: أن عثمان بن عفان أعتق عشرين مملوكاً، و دعا سراويل فشدها عليه - حتى لا تظهر عورته عند قتله - و لم يلبسها في جاهلية ولا في إسلام، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في النوم و رأيت أبا بكر و عمر و أنهم قالوا لي: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه، فقتل وهو بين يديه.

و اعتبرت فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه من أخطر الأحداث التي مرّت بها الدولة الإسلامية في عصر الخلافة الراشدة، و قد تركت من الاختلاف و الانقسام في صفوف الأمة ما كاد يودي بها، و قد أعقبها فتن داخلية أخرى تتصل بها و تتفرع عنها و هي موقعة الجمل و صفين و النهروان، كما استمرت آثارها متمثلة في الخوارج و الشيعة المعارضين للدولة الأموية و العصر الأول من الدولة العباسية خاصة، بل يمكن أن نعتبر الانقسامات الكبرى الناجمة عن الفتنة مؤثرة في الأمة حتى الوقت الحاضر.

و كان مقتل عثمان رضي الله عنه صباحاً، في يوم الجمعة، الثاني عشر من ذي الحجة، سنة خمس

و ثلاثين من الهجرة، و دفن ليلة السبت بين المغرب و العشاء، بحش كوكب شرقي البقيع، و هو ابن

اثنتين و ثمانين سنة، على الصحيح المشهور. رحم الله عثمان و رضي عنه. انظر: ابن سعد (3/ 77 - 78) و خليفة بن خياط (ص176) و الطبري (4/ 415 - 416) و المسند (2/ 10) و الذهبي في تاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدين (ص481) و البداية و النهاية لابن كثير (7/ 190) والاستيعاب لابن عبد البر (3/ 1044).

(الموقف مما شجر بين الصحابة).

أقول و بالله التوفيق: اعلم رحمني الله وإياك؛ أن البحث فيما شجر بين الصحابة، لا يقرب العبد إلى الله زلفى، فهم قد لقوا ربهم و هو أعلم بما شجر بينهم، فإن كان الأمر لا يقربك إلى الله زلفى و إنما قد يقودك إلى النار و أنت لا تعلم، فتجنبه أولى؛ إلا في حالة واحدة و سيأتي بيان هذه الحالة.

و معنى الإمساك عما شجر بين الصحابة، هو عدم الخوض فيما وقع بينهم من الحروب و الخلافات على سبيل التوسع و تتبع التفصيلات، و نشر ذلك بين العامة، أو التعرض لهم بالتنقص لفئة و الانتصار لأخرى.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (3/ 406): و كذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم، و نعلم أن بعض المنقول في ذلك كذب و هم كانوا مجتهدين، إما مصيبين لهم أجران أو مثابين على عملهم الصالح مغفور لهم خطؤهم، و ما كان لهم من السيئات، و قد سبق لهم من الله الحسنى، فإن الله يغفر لهم إما بتوبة أو بحسنات ماحية أو مصائب مكفرة.

و ما شجر بينهم من خلاف فقد كانوا رضي الله عنهم يطلبون فيه الحق و يدافعون فيه عن الحق، فاختلفت فيه اجتهاداتهم، و لكنهم عند الله عز وجل من العدول المرضي عنهم، و من هنا كان منهج أهل السنة والجماعة هو حفظ اللسان عما شجر بينهم، فلا نقول عنهم إلا خيراً و نتأول و نحاول أن نجد الأعذار للمخطئ منهم و لا نطعن في نيّاتهم فهي عند الله، و قد أفضوا إلى ما قدموا، فنترضى عنهم جميعاً و نترحم عليهم و نحرص على أن تكون القلوب سليمة تجاههم.

قال ابن قدامة المقدسي في اللمعة (ص175): و من السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، و محبتهم و ذكر محاسنهم و الترحم عليهم و الاستغفار لهم، و الكف عن ذكر مساوئهم و ما شجر بينهم، و اعتقاد فضلهم و معرفة سابقتهم، قال الله تعالى {و الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا} [الحشر/10] و قال تعالى {محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح/29] و قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. البخاري مع الفتح (7/ 25) و مسلم برقم (6435).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير